غسان كامل ونوس: الغمامة السوداء إلى انقشاع والعاصفة إلى انطفاء
ثقافة
الأربعاء 11-5-2011
فاتن دعبول
احساسهم بعمق المأساة لهو أشد قسوة وأكثر إيلاماً فيفيض معاناة وألماً وينسكب على الورق مداداً عله يطفئ شيئاً من نار تلتهب في قلوبهم وحرقة تكاد تفتك بهم.
يقول الأديب غسان كامل ونوس نائب رئيس اتحاد كتاب العرب: تمر سورية في مرحلة استثنائية يلزم معها التحلي بالصبر والهدوء مع التنبه والوعي والثقة بالنفس والشعب والقيادة المسؤولة والشجاعة لأن المؤامرة كبيرة والخيوط متشابكة والبنية معقدة والخطة مركبة ومتعددة المحطات والمشاهد والمخططون كثر لا تنقصهم الخبرة والشرور؟
وهذا ليس ظرفاً جديداً كل الجدة على بلدنا العزيز بل إن ظروفاً قاسية سبق أن فرضت من الجهات عينها بوجوه قد تبدو مختلفة لكن في هذه المرحلة أشد لؤماً وخبثاً وتعدداً في الوسائل والنماذج والعناصر إضافة إلى حداثة وتقنية في الاتصال والتمويه والتضليل.
فيها دناءة وحقد وانتقام بحيث يكون الشعب السوري وقوداً فتتضاعف الخسارة وتغدو النتيجة كارثية.
لكن ما مر من أيام كابوسية يظهر أن الغمامة العقيمة السوداء إلى انقشاع والعاصفة إلى انطفاء ورغم الوقت الضاغط والمشاهد المفجعة والدم الطاهر الذي انتشر على مساحة الوطن الغالي والحزن الطاغي والفقد الأليم فإن من الحكمة والضرورة التركيز على النقاط التالية:
هناك مطالب مشروعة محقة ليست مطالب من تظاهر فقط بل هي مطالبنا جميعاً، كتبنا فيها ونشرنا أدباً وإبداعاً ومقالات، ومارسناها منذ سني الإصلاح بمساراته: الإداري، الاقتصادي، السياسي، محاربة الفساد والمفسدين.
الاهتمام بالقادرين المخلصين الجادين والاهتمام بأبناء الشعب حاجات وغايات والمحاسبة الحقيقية.
جميعنا مسؤولون عن التقصير في الانجاز الإصلاحي المحسوس وتختلف درجة المسؤولية باختلاف الشريحة والموقع والإمكانية والمهمة.
مسيرة الإصلاح بدأت منذ عام 2000 ونودي بمختلف العناوين المطروحة جهاراً وعلى المنابر الثقافية والإعلامية.
وفي الصالونات الأدبية التي تكاثرت حينئذ ولكنها تعثرت نتيجة ظروف داخلية وخارجية ضاغطة يمكن الحوار حول درجة تأثيرها والمسؤولية عن ذلك.
هناك من تظاهر في بداية الأحداث الأخيرة بنية صادقة وخلفية نقية، وهناك من ركب الموجة وهو من الفاسدين سلوكاً وأفكاراً وهناك من تورط مشاكسة وعناداً وظهورا وهناك من شارك بقصة التخريب والإساءة وإثارة الفتنة عن قصد ولقاء أجر وبدافع مصلحي انتقامي وهناك من تآمر واستأجر واستغل وضلل في الداخل والخارج.
ظهر وعي الشعب السوري جلياً حين لم ينسق إلى هذه التظاهرات وبقيت الحدود دنيا والمواقع محدودة وهذا ما فاجأ المتآمرين فلجؤوا إلى توزيع المجموعات والتحركات إلى مناطق لزيادة الأسماء في الإعلام والإيهام بالانتشار والتعميم.
عدم التفاعل الشعبي هذا مع الاحتجاجات سرّع بزج مثيري الفتن وأصحاب النيات الظلامية في الشوارع لتقتل بوحشية وتمثل بالجثث وتقطع الطرق وتعتدي على الناس بعشوائية لإثارة الرعب والفوضى وانتقائية لبث الفتنة الطائفية فسرع هذا بإظهار الوجه الضعيف للمتآمرين والبعد الحقيقي للمؤامرة.
فسورية البلد الرافض للإملاءات والاستسلام الصامد الداعم لكل المقاومات العربية السائر في درب الإصلاح برغبة أكيدة الباني تحالفات إقليمية مؤثرة وعالمية معززة للدور والحضور المشرف والقوي والفاعل، سورية الشعب الموحد والمبادئ والأصالة والقيادة هي المستهدفة من كل هذا الذي يجري، فهل يستوي الإصلاح مع التخريب للممتلكات العامة والخاصة وهل يتوافق البناء والتطور والتقدم بقتل العلماء والاعتداء على المؤسسات الخدمية والصحية وسواها؟
هل تفسر المواطنية بالهجوم المخطط على المؤسسة الأمنية والعسكرية التي توزع شهداؤها على بقاع الوطن كله؟
هل ينسجم الشعار السلمي للاحتجاجات مع الساطور المشرع والقنص الدقيق والشعارات القاتمة والتحريض المقزز؟
لماذا لم يتبرأ دعاة الاحتجاجات السلمية وحماة حقوق الإنسان في الداخل والخارج من القتلة والمجرمين وعناصر العصابات المسلحة؟ ولم يعترفوا بوجودهم رغم أن أحدهم اعترف أن هناك من عرض عليه السلاح أكثر من مرة ولم يرض -كما قال- ورفض الاعتراف بوجود مثل هذا السلاح لدى جماعات، فلماذا لا يكون سواه قد وافق على ذلك؟ واعترف آخر أن هناك قوى على الأرض داعمة للاحتجاجات.
لقد كشفت سرعة إقرار مسارات الإصلاح والقوانين التي صدرت بعد تجديد الحكومة زيف الادعاءات وفرزت دعاة الإصلاح عن دعاة التخريب والقتل والفتنة فاستمرت التظاهرات بلا مسوغ أخلاقي على الأقل وإنساني وموضوعي وظهر جلياً أن المطلوب المزيد من القتل والدم، والتشييع فالدم.. فالتشييع.. فالدم.. وأكد ذلك أن لقاءات تمت على أعلى المستويات وخروج ممثلو الفئات الشعبية راضين واثقين بصدق القيادة في الاستجابة للمطالب وتعهدها بالاستمرار الجاد في الإصلاح والتهدئة لكن الحمع ذات المسميات المخططة والغامضة استمرت كالحة مفزعة.
ألا يمكن قراءة أوجه التشابه بين المؤامرة على سورية في مقتل الحريري وهذه المؤامرة من حيث سرعة اتهام النظام الأمني السوري اللبناني وملاحقة قادته وعناصره إعلامياً في البداية وتوقيفاً للضباط اللبنانيين لاحقاً، والاصرار على اتهام الجهاز الأمني في سورية بإطلاق النار على الناس رغم الأمر الصارم لعناصر الأمن بعدم إطلاق النار مهما كان السبب والتعهد بالتحقيق في ذلك ومحاسبة الفاعلين والوقائع على الأرض والخسائر في الأرواح والإصابات في العناصر الأمنية تثبت ذلك. واستخدام شهود الزور وحمايتهم في تصفية الحريري واستخدام شهود العيان المزورين في التركيز على إدانة الأجهزة الأمنية وتضخيم الوقائع وإشاعة عبارات المجازر وحمامات الدماء وغير ذلك.
اللجوء إلى لجنة تحقيق دولية بقانون خاص في قضية الحريري وصولاً إلى إدانة دولية وتدخل دولي والدعوة لمثل هذه اللجنة في الأحداث الأخيرة وصولاً إلى تدخل دولي كما حدث في ليبيا.
التزامن المريب بين الدعوة إلى التظاهرات وتوالي الوجوه المعارضة والمنبوذة والمطلوبة في الخارج على الشاشات المعروفة بعدائها لسورية أو تلك المرتدة عن الخط الذي توهمناه وتوزع شهود العيان وتناوب الناشطين الحقوقين في الداخل مع الهجوم المركز من رجال دين ومفكرين وصحفيين وإعلاميين معروفين.
توافق ما نقول مع ما عبر عنه المسؤولون الغربيون على أعلى مستوى من أن هناك شروطاً على سورية تنفيذها لتهدأ الأمور وتنتهي المشكلة، لا علاقة للإصلاح والوضع الداخلي بها.
خسرنا دماً طهوراً وأرواحاً بريئة وموسماً سياحياً مميزاً وخسائر مادية على الأرض باهظة وتأخراً في المشروعات وعانينا من قلق وإرباك وحرقة ولكنها ضريبة الكرامة والإخلاص والوفاء والمقاومة والاستقرار والوحدة الوطنية.
المرحلة في نهاياتها والمتآمرون إلى انكشاف وخذلان والحاقدون إلى الاحتراق بنيراهم على الأقل والمجرمون إلى حساب عسير.