الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: عمّار النعمة
الناشر: الثورة- العدد 16572
تاريخ النشر: 2017-12-28

قراءة.. غسان ونوس في (إيقاعات) .. نصـوص واقعيـة علـى أوتــار الحيــاة

منذ سنوات بعيدة وضع نفسه عبر تواصل دؤوب في المجالات التي جعلت منه أديباً مبدعاً باجتهاد عصامي… كتب القصة وجعلنا نعيش معها, خطّ الشعر فجاءت أبياته مليئة وعذبة, رسم الرواية فلم تكن مدججة بالأحداث الكبيرة، والبطل الواحد..بل كانت لها مسارات مختلفة وأنماط اجتماعية واقعية… تناول العديد من الموضوعات التي ناقش فيها كل مناحي الحياة فقدم معايير ورؤى سديدة الخطى, كتب انتكاسات وانتصارات.. دموع وابتسامات, وحتى اللحظة لم تذبل أعواده ولم يجف قلمه فهو الباحث دوماً عن الأدب الراقي والحقيقي.‏

إنه الاديب غسان ونوس الذي أصدر جديده بعنوان:(إيقاعات) وهو عبارة عن نصوص نثرية صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ب190 صفحة من القطع المتوسط.‏

يبدأ الكتاب «بقول» بدلاً من إهداء أو مقدمة حسب تعبيره, فنراه مهموماً بالتساؤلات العديدة, رؤاه متنوعة باحثة مندفعة تجعل القارئ في صلب النص رغماً عنه, وهو القائل : إذا كنت أتردد كثيراً في القول حتى إذا ماكنت وحيداً, وأخشى أحياناً أن أفكر, أن أقرر, فهل يحق لي التساؤل أو اللوم أو الشك أو الاتهام؟ وهل استحق فرصة أن أقول أو أن يُستمع إليّ.. قبل التساؤل عمّن يحق له تقرير ذلك أو تحديده أو تقويمه؟‏

وفي عنوانه: (ألق الرؤيا وأرق الرؤية) نجد مفردات عميقة, متصاعدة, عفوية, ناتجة عن اهتياج روحي … نجد صوراً مكتظة بالحكايات والمؤثرات الدلالية, تعتريه الرغبة من مجاراة الينابيع المتدفقة فيقول: مابين ألق الرؤيا وأرق الرؤية حكاية, تتسع حدودها, أو تنقبض, تتشاسع مدياتها أو تتخامد, لكن فيها صراع محتدم يَظهر عبر أنفاس محمومة وملامح مهمومة أو مشرع في اضطرام الأوقات واختلاج الأبعاد .‏

واللافت في هذا الكتاب وغيره من النصوص التي كتبها ونوس سابقاً أن ثمة لغة مختلفة ثابتة عما ألفناه, رموزه روحية, تواريخ نصوصه تعبر عن المضمون, محموم بتساؤلاته, يعطي القارئ مساحة من الأمل وساحة من العمق ليسمع ويقرأ مدلولاته وبوحه المبحوح وهو القائل:‏

كان للغيمة الضالّة انعكاس الكآبة في النفس, التي لمّا ترتو من موسم الشمس, ووسواس تأثر الغُمُر المنثورة في الحقول, أو المتراصّة على البيدر, وقلق ابتلال الحبوب المنذورة على السطوح الترابية, وكان ضلال الغيوم بين آن وآن يفضح ضلال المراهقة خلف الشبابيك وفي حنايا العرزالات المكوّخة أو بين الحراج الصغيرة على دروب العين أو في ثنايا انتظار قطراتها المتكاسلة.‏

وبكلمات جميلة مُداوية للجراح, ومفردات يعتليها الفخر والعزة, يقصّ علينا ونوس رحلة الأبطال الذين مزجوا دماءهم بتراب الوطن, فأثمرت وأينعت زهورا وريحانا فهاهو بأسلوبه الجميل ينادي بأعلى الصوت (ياشهيد):‏

شكراً لك وشكراً إليك .. شكراً لحنينك الذي عاد بك, بعد إقدام إلى منبت أعطى وربّى وأثمر … وأعادنا إلى أضمومة حزن في سبيل لمّة فرح.‏

في الختام : لونوس رسالة ابداعية تروي الهوى وتعشقها الروح … رسالة توقظ الفرح والحزن, تمنح الحب, تحاكي الواقع وتضرب على أوتار الحياة, كلماتنا لم تفيه .. لكن لابد من إضاءة , فهو الغارق في بحور الأدب ولم ولن يتوقف عن العطاء.‏
hammaralnameh@hotmail.com ‏

اترك رداً