الفئة: أوراق
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الموقع الرسمي
تاريخ النشر: غير محدد
رابط النص الأصلي: 

أيها الموت..
لست منسحباً من المواجهة؛ أنا أعلم أنك منتصر في النهاية؛ فهل في هذا لذّة لك؟!
وماذا يعني ذلك بالنسبة إليك؟!
لست منسحباً ولا معانداً، متحدّياً.. ولست منصاعاً لتحذيراتك وتهديداتك. لن أقتعد ركناً قصيّاً أعرف أنك يمكن أن تصل إليه، رغم أنه قد يباعد الموعد.
لن أستلقي مغمض العينين في انتظار خيالك، ولست أحلم بك؛ وفي هذا، لو تعلم، مواجهة من طبيعة مختلفة.
لا أخاف منك، فليس لذلك معنى، أن تخاف من أمر محتوم، ولا أستغفرك، أو أستنجد بك، فماذا يهمّك أن تفعل؟! وليس ذلك من طبعي!
مشاعري نحوك حياديّة، كأنك غير موجود، أو خارج نطاق اهتمامي، لأنني منشغل بما يمكن أن يملأ أوقاتي المحدودة، ويلطّف أطرافي التي تجوب الأرض والفضاء، وحواسي التي تحاول احترام قدراتها بالبحث عن الجميل واللطيف والعذب.. ومهتمّ بما قد يبقى أطول فترة ممكنة، بعد أن تعمل حسامك المشرع في الجسد الآفل. أنا غير مسرع، فلن أصل إلى الأبعد، ولستُ متباطئاً، رغم أنني أستطيع من مكاني هذا، أو أي مكان، أن أصل أعمق فأعمق؛ أنا غير مهمل لواجباتي تجاه عواطفي وأحاسيسي.. وغير مسرف في نزواتي، وغير زاهد في ما يمكن أن أحصل عليه، وغير راض عما توصلت إليه، ولست مقتنعاً بالبياض الخالص أو السواد المهيمن، ولست يائساً مما يأتي، ولست بائساً في عبور أمكنة تتكرّر، والقيام بأشياء معهودة، ولست بارعاً في التفخيم والتضليل.. ولا أحاول ذلك، ولست ناصحاً، ولا أنتظر النصائح، ولست عالقاً من مفاهيمي ومعتقداتي، ولست متعلّقاً بما لا يقنع، مهما كان عاتياً أو ضارياً أو فاقعاً أو غريباً أو حاداً أو واعداً مشهياً.. لست منتظراً قدراً مغايراً، وحالات قد تنعتق فيها الإمكانيات والرغبات والأحلام..
أنا منتظر أن أكون ذاتي، أن تزداد ثقتي، وتتعمّق مشاعري. أنتظر أن أكون في نظر الناس لا على ألسنتهم؛ وأن أكون قريباً من الآخرين لا في مواجهتهم؛ حاضراً في أفكارهم، لا قذى في عيونهم؛ خفيفاً على أوقاتهم، لا متطفّلاً على غاياتهم..
أنت أيها الموت، بعد أن أخذت الأعزاء، وتخطّفت الأطفال، وقبضت على الراكضين كما القاعدين..
لم يعد يهمّني أن تأتي في أي وقت!!
***

اترك رداً