الفئة: كلمات ملقاة
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة الأسبوع الأدبي
تاريخ النشر: غير محدد
رابط النص الأصلي: 

كلمة رئيس وفد اتحاد الكتاب العرب إلى مهرجان الشعر الفلسطيني الشاب في انطاليا/تركيا

السيدات والسادة:
جميل أن نلتقي، والأجمل الغاية من اللقاء: فلسطين!
فلسطين الأرض المحتلة منذ ما يزيد عن ستة عقود، والشعب المعذب المستلبة حريته وحقوقه، الملاحق في أمنه، ولقمة عيشه، وعمله، ولعب أطفاله، وأوراق دفاترهم، وأحلامهم؛ الشعب المهجّر أو المحاصر أو المقيم في الجحيم، وكله جحيم؛ فإلى أي النيران تميل؟!
جميل أن نلتقي في هذا البلد الجميل، في مهرجان الشعر الفلسطيني الشاب.
وإذا كان يمكن لأي سلاح مادي أن يصدأ، فإن للكلمة المقاومة مضاءها الخالد عبر الأجيال، لأنها زفرة الروح، وهل للروح حدود أو حواجز أو أعمار؟! إنها ذخيرة الأجيال التي لا تتوقف عن بثّ إشعاعاتها، لتؤكد التزامها بقضايا الحق في الحياة الحرة الكريمة، في أرضها بعيداً عن أي احتلال أو عدوان أو تهديد.
وها هم أدباء من فلسطين العزيزة، جاؤوا ليُعلوا الصوت الواحد بإيقاعاته المتنوعة، شعراً نابضاً بالحنين والعزيمة، يعبر عن الإحساس الفلسطيني الفياض لدى جيل آخر من أبناء فلسطين، جيل يتابع رفع الصوت والهامة والراية بلا تردد أو يأس أو وجل.
يشاركهم أدباء من سورية التي تعيش في وجدانها قيادة وشعباً، قضية فلسطين المغتصبة، كما الجولان المحتل من قبل الكيان الصهيوني.
وبدعوة مقدرة من اتحاد كتاب أورو آسيا في البلد الصديق العزيز تركيا، الذي يقف اليوم موقفاً نبيلاً جريئاً مجاهراً بالحق، مدافعاً عن المعرضين للعدوان في فلسطين قتلاً وأسراً وحصاراً وحرماناً واستيطاناً..
السادة الكرام:
إن ما قام به الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، ويمارسه كل يوم، ضد الإنسان: طفلاً وبالغاً وكهلاً، رجلاً وامرأة، وضد الأرض والممتلكات: حجراً وشجراً، بيوتاً ومدارس ومقابر، وضد الأماكن المقدسة المشهورة عالمياً، وتغيير المعالم التاريخية، وما يلحقه ذلك من ضرر على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في القدس، والحرم الإبراهيمي في الخليل، وسواها في أرض الأنبياء والرسل والحضارة.. إضافة إلى التضليل الإعلامي وسرقة التراث والخصائص المميزة للشعب العربي في فلسطين، والتطاول حتى على الأزياء والأكلات الشعبية.. كل ذلك وسواه الكثير يدل على الخطر الحضاري الذي يمثله هذا الكيان العدواني، ويؤكد أهمية البعد الثقافي في المواجهة التي لا تقتصر على الحاضر والمباشر والجبهات الأرضية؛ بل تتجذّر في الماضي، وتتزوّد بالتاريخ، وتتبلور بالوعي والفهم والاستقراء، وتتمثل بالإرادة والفعالية والاستمرار، وتتحصن بالغنى المعرفي الذي يؤمن دفاعاً صلباً متماسكاً متواصلاً، لا يهن، ولا يستسلم، ولا يملّ ولا ييئس..
وإذا كان للسياسة مصالحها وأساليبها ومناوراتها، فإن للثقافة استقامتها وجرأتها ووضوحها وثقتها، لأنها متمسكة بالحق، مطالبة بالعدل، معنية بالجوهر والأصيل. والثقافة تحافظ، يفترض أن تحافظ على التوازن الإنساني في هذه الكرة الأرضية التي فقدت الكثير من هذا التوازن، بسبب سلوك بعض بني البشر تجاه الطبيعة وكائناتها، وما يقومون به من قهر وظلم وقلبٍ للحقائق والمفاهيم؛ فتدان الضحية، لأنها لا تستسلم لنهم الأنياب المتوحشة، ويقوِّم المجرم الوقائع، ويطلق الأحكام والألقاب، وتغدو المقاومة إرهاباً، وإرهاب الدولة المنظم تجاه الشعوب المقهورة يصبح شرعياً!
إن ثقافة المقاومة هي ثقافة الشعوب التي لا تقهر، هذه هي الحقيقة التي يعمى عنها المعتدون المعتدّون بالقوّة المادية، وتؤكدها وقائع التاريخ، وهي التي تسود مهما استشرت قوى العدوان، ومهما امتدت عذابات السنين.
وعلى هذا الأساس نلتقي نحن المثقفين في هذا المهرجان الشعري، ويفترض أن يلتقي جميع المثقفين الأحرار في العالم.
وعلى هذا الأساس تأخذ مواقف قيادتي البلدين الصديقين الجارين تركيا وسورية طابع الوضوح والصراحة والثبات مع الحق الفلسطيني المشروع، والشعب الفلسطيني المقموع في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل. ولا سيما مواقف السيد الرئيس بشار الأسد، والسيد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، وقد برزت هذه المواقف على الصعيد العالمي، بما يبعث على الاعتزاز، ويعزز الأمل، ويدفعنا نحن المثقفين للمزيد من العمل والتواصل والحضور الجاد المؤثر، في أي مكان وفي كل زمان.
إن إقامة هذا النشاط المميز، وفي هذا المكان بالذات، وبالتعاون بين اتحاد كتاب أورو آسيا في تركيا واتحاد الكتاب العرب في سورية، تأكيد للموقف المبدئي الثابت للأدباء والمثقفين العرب والأتراك في مقاومة الظلم والاحتلال والعدوان، وما يتبع ذلك من أساليب القمع والتهجير والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. وهذا النشاط تحفيز على المزيد من اللقاءات المثمرة المماثلة بين المؤسسات الثقافية، وهو يقدم شحنة مهمة للمشاركين فيه، ولجميع المدافعين عن أرضهم بالكلمة والموقف والإرادة.
إن اهتمامنا في اتحاد الكتاب العرب، وفي سورية جميعاً، بالأدب المقاوم مستمر ومتصاعد، عبر نشاطات متميزة: ندوات ومحاضرات وقراءات، وإصدارات متنوعة إبداعاً وبحوثاً ودراسات؛ ولثقافة المقاومة حضور مشهود في مختلف المنابر الثقافية والإعلامية، وبمشاركات محلية وعربية واسعة.
إننا لنعدّ هذه المبادرة المقدرة من اتحاد كتاب أورو آسيا بإقامة هذا المهرجان للشعر الفلسطيني، وفي هذا الوقت بالذات، أمراً بالغ الأهمية، نابعاً من إحساس عال بالمسؤولية الثقافية والإنسانية، ومناسبة مميزة ليبقى الصوت الفلسطيني المقاوم حاضراً ومسموعاً في جهات العالم كلها، علّ هذا العالم الذي يتغنى بالحرية والديمقراطية والسلام، يسمع، ويقدّر، ويسعى بجدية لإحقاق الحق ورفع الظلم والاحتلال عن فلسطين وسواها من الأرض الخاضعة للاحتلال المعرضة للتهديد والعدوان.
باسم اتحاد الكتاب العرب في سورية وأدباء سورية ومثقفيها، وأعضاء الوفد جميعاً، أقول:
شكراً لتركيا قيادة وشعباً وأدباء ومثقفين وإعلاميين.
شكراً لانطاليا على هذه الاستضافة المميزة في هذه الربوع الأليفة..
شكراً لاتحاد كتاب أورو آسيا على دعوته الكريمة، ودوره الثقافي المميز.
شكراً للشعراء الذين لبوا الدعوة، وسيثرون أوقاتنا في هذا المهرجان المخصص للشعر الفلسطيني الشاب.
تحية لكل صوت مقاوم، وكل كلمة مقاومةٍ، أو زفرةٍ، أو أنّةٍ، أو آه.
وتحية لفلسطين العربية الصامدة الصابرة المقاومة حتى التحرير الكامل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
***
26/4/2010 عضو المكتب التنفيذي
في اتحاد الكتاب العرب في سورية
رئيس الوفد
غسان كامل ونوس

اترك رداً