حيدر حيدر .. المبدع الإنسان
غسان كامل ونوس
الإبداع نعمة نعم البشر، يُخص بها البعض تكريماً للكل، للحياة .. للوجود، نسعد بها ونعتز، ننشغل ونتسامى، أنّى ومتى وكيفما أشرقت.
فكيف تكون نضارة الحال حين يكون المبدعون منّا، قريبين وحاضرين، يأكلون مما نأكل، ويشربون، تدثرهم سماؤنا بصحوها وكدرها، ويتنفسون الهواء الذي نتنفس بكل عذوبته أو عكارته؛ تنبسط المروج في مآقيهم، وتتعالى الجبال في قاماتهم، وينسكب البحر بلآلئه وأمواجه في عيونهم، فيبحرون إلى عوالم قد لا نعرفها، ويتعرفون إلى عرائس نشتهي وطقوس نتشهّى ولا يبخلون بها علينا، إن كنا نستحق؛ نفكر نقرأ ونتابع، نحاور، نحتفي، نثور.. وننتشي.. أو باختصار: نعيش.. من قال إن من الواجب أن تتطابق رؤانا مع رؤاهم، أو تتماثل أفكارنا وأفكارهم.. حتى نحترمهم أو نقدرهم؟!
ألا يكفي أنهم يقلقون، يعبّرون، يصرخون ويئنون ويفرحون معنا وعنّا؟!
إنهم شموعنا وشماعاتنا؛ أنداءنا وأضحياتنا أحياناً.. ولا نكتفي بإهمالهم بعدم المشاركة معهم، بل نشارك الآخرين لومهم وقسوتهم.. ليس كل ذلك حباً، وحبذا لو كان بعضه..
ليس ذلك كرهاً، ربما هو عجز أو خوف أو جهل أو غفلة..
المبدعون بيننا نبض وماء، احتراق وانتماء، اصطبار وعطاء..
يبتعدون خبرة وتجارب، يغوصون أعماقاً وآفاقاً.. ويقتربون أضواءً وأنفاساً، ويتجذرون أرضاً، ويتسامقون ذرىً، ويتوزعون عبقاً وشآبيب وكفكفة ومواساة..
ألا يستحقون من يكفكف لوعاتهم؟! من يحس بجدواهم أو وجودهم؟! ألا يستحقون من يهدهد مواجعهم؟! ألا يليق بنا أن نكرم أنفسنا بتكريمهم؟! تأخرنا.. نعم! تغافلنا؛ ربما؛ تشاغلنا تكابرنا، تلاءمنا.. لكن أن نصل متأخرين.. لا بأس.. لم يزل في الإمكان أفضل مما كان ..
وها نحن نكرم أنفسنا، إذ نكرم الأديب القاص والروائي العربي القدير حيدر حيدر..
خمسة عشر كتاباً، وتسعة وستون عاماً، وتجارب في العمق، حياة وهموماً ومواقف وقضايا.. لم يكن متفرجاً أو منظراً، ولم يتردد في الخوض والفيض والزود قدر ما يستطيع، غير هياب ولا طلاّب منّةً أو شهرة أو اعترافاً، غير متملق ولا متكسب ولا مزاود أو منافس أحداً على موقع أو شهرة أو جاه كان شاهداً مشاركاً، متفهماً جريئاً، محولاً الواقع بمرارته وقسوته وعناصره وكائناته وعلاقاته إلى لوحات أدبية فنية تمور بالحيوية، وتفيض بالمعاني وتنبض ثراءً ورغبةً ولهفة.
كتب كي لا يستوحش ما تبقى من زمن، وكي لا تستولمنا أكثر حيتان البر والبحر، ولكي يظل للوعول أمداء تستطيع فيها الحضور المشرع.. بكل ما يستوجبه وجودها من مشروعية، وكل ما يتطلبه طموحها الوثاب من امتداد..
*
حيدر حيدر
ثنائيات تستحق التفكير والدراسة:
الحضور المادي البسيط، والظلال الوارفة
الهدوء، والصخب
ملامح الرضى، والكتابة الجارحة
التواضع وعلو المقام
الخجل والجرأة
الزهد والغنى
الشفافية والصلابة
الابتعاد والإشراق
الوضوح والاكتناز
الصراحة والعمق
حيدر حيدر:
-الاهتمام بقضايا المجتمع والوطن والعالم
-الاكتناز بالعلوم الإنسانية والأحيائية والكونية.
-الإنسان قلقاً متسائلاً متصلباً طموحاً متمرداً راغباً عاشقاً مهموماً متقلباً مناضلاً..
-الغنى المعرفي
-التناول النقدي للكثير من المسلمات
-التفاصيل الحيوية والذاكرة النبّاضة والرؤى الجامحة..
-الغنى اللغوي، مفردات وصيغاً، والقدرة على الاشتقاق..
-المزج بين الماضي والراهن والمستقبل..
إن في كل قراءة لأدب حيدر تكريماً له.. وفي كل مادة ينشرها حيدر حيدر تكريم لنا.. دمت مبدعاً.. إنساناً محصناً حيدر حيدر وإلى مزيد من الإبداع، وطول العمر..
غسان كامل ونوس