ونوس: (هويتنا.. ليست للمساومة والمقايضة !!)
الأديب غسان كامل ونوس نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب قال: لا يمكن لمقولة «الفقر في الوطن غربة» على قسوتها، أن تكون مسوّغاً لهجران الوطن ونكران الهويّة الوطنيّة، حتى لو تمّ توسيع إطارها القارس إلى فراغ وانهزام، وحصار في القول والحركة، واستغلال الحاجة إلى العمل، واستفزاز وابتزاز.. مع ضرورة تحميل المسؤولية لمن قام بمثل هذه الأفعال بحقّ المواطنين، ويقوم.. ولا بدّ من محاسبته، والقيام بإجراءاتٍ وتكريس آلياتٍ تخفّف من التأثيرات السلبيّة لها، الطارئة منها والمستمرّة.
فالهويّة الوطنيّة ليست مؤقّتة وعارضة ومزاجيّة، وليست رداء أو قشرة أو زينة، وليست للمساومة والمقايضة والانفعال؛ إنها انتماء أو إحساس به ورغبة، يتعزّز باحترام وانسجام ومواءمة وامتلاء وكرامة، من خلال الكيان المقتنِع والمُقنِع، والحضور الفاعل والمشاركة المادّية والوجدانيّة، ويكتمل مع الشعور بالأهميّة والجدوى.
ولا شكّ في أنّ زيادة الارتباط والتماسك والغيرة والنخوة تتحقّق بالوئام الأسرويّ، والألفة المجتمعيّة، والاعتزاز الوطنيّ، والانهماك في الدور الوظيفيّ المناسب والعمل الممارَس في المكان المناسب، والثقة بأنّ السعي إلى كلّ ذلك متاحٌ وممكن، والتواصل الأفقي والعمودي قائم بلا حواجز أو عثرات.
وتصحّ هذه المعاينة في الأوقات كلّها، وتتجلّى أكثر في الاستعداد الدائم للدفاع عن الوطن والحرص على منعته وسيادته، وتتعزّز أكثر فأكثر في حال تعرّض الوطن إلى ما يهدّد كيانه؛ سواء أكان ذلك عدواناً خارجيّاً عبر الحدود الأرضية والفضاء الافتراضي، أو احتقاناً داخلياً يتبدّى وزْماتٍ ونزيفاً وتهتّكات متنقّلة، لن يسلم منها حتّى من يظنّ أنّه في مأمَنٍ بسكوته وانكفائه، أو بمتاجرته بأقوات الناس وأمانهم ومصائرهم، أو بارتضائه أن يكون داعية للأعداء كي يُغيروا على أبناء جِلدته، أو أداة لهم، يقوم بما يطلبون، أو يسهّل لهم تنفيذ غاياتهم السوداء، بنشر الأعذار والمسوّغات، وتبنّي الشعارات والدعايات، أو إشاعة الفتن والفوضى..
إنّ في القنوط والتمرّد والعصيان والعنف والانتقام شذوذاً واغتراباً وانتحاراً، ما يودي بالشخص نفسه، وينعكس سلباً على الناس والوطن؛ والمواطن عليه أن يسعى إلى أن يحقّق كيانه وأمانيَه بذاته ومع قريبين منه في التوجّه والأهداف، وليس على حساب الآخرين، أو انتقاصاً من رصيد الوطن الذي يُفترض أن لا يكون أيّ رابط آخر أو اتّفاق أو نشاط مؤذياً له سمعةً وواقعاً ومساحةً ودوراً، تاريخاً وحاضراً وآفاقاً؛ ولا يمكن أن يكون السعي الشخصي أو الجمعي بمعزل عن الظروف والشروط الموضوعيّة والإمكانيّات المتوافرة، التي قد تتطلّب أيضاً العمل على تحسينها وتطويرها من داخلها وبما يلائم، وليس بما هو غريب عنها، من دون أن يعني ذلك انغلاقاً رؤيوياً وفكرياً، وانقطاعاً عن الآخر القريب والبعيد، أو خصاماً وعداء معه.
ولا يمكن أن يتمّ ذلك من دون وعي وتبصّر وفهم وتفهّم ومسؤولية وإرادة وثقة بالنفس والآخرين، ويأتي هذا في صلب الثقافة، وجوهر العمل الثقافي، الذي لا يعني المتعلمين وأصحاب الشهادات فحسب، على أهميّة التحصيل العلمي والمعرفي، ولاالمسؤولين في الثقافة فقط، مع ضرورة فاعليتهم وحيويتهم؛ بل هو تميّز قد يناله الناس العاديّون كلّ في حيّزه، هم الذين يُستهدفون ويُستدرجون ويُستغفَلون ويُستغَلّون،؛ فيستطيعون بهذا القدر أو ذاك من الفطنة والفطرة والفراسة والحصانة والإيمان أن يقاوموا هذا الانحلال أو التعصب وذاك التهوّر أو التدمير الذاتي والأسروي والبيئي.. فلا ينساقون إلى أفكار ناشزة، أو سلوكات نافرة، نتيجة مواقف متطرّفة، ولا يكونون عرضة للفتنة، وقوداً لأتونها، نافثين ما يزيد الفرقة والشرذمة والاختصام.
إنّ من الأهميّة بمكان التعبير عن الرأي، والإشعار بالموقف، والإعلان عن الفكرة والنظريّة والغايات والمنى والحاجات، والقيام بما ينسجم معها وصولاً إلى تحقيقها، ولا بدّ من فرصٍ ومنابر ومجالاتٍ وأوقات؛ لكنّ الأهمّ أن يكون ذلك بأسلوب لائق، وأداء راقٍ، وطريقة محبِّبَة ومقرِّبة ومحفِّزة، وخُلقٍ كريم، في سياق القوانين النافذة أو التي يجب الوصول إليها بنشاط دؤوب.
تلك هي المواطنة الحقّة والحضارة والإنسانيّة، بعيداً عن التشنّج والعنف والتكفير والتخوين، تلك التي تسبّب الأذى الشخصي النفسي والجسدي؛ والانتهاك العام والتهتّك الكارثيّ؛ فالوطن يتّسع للجميع، ويحتضن الجميع، ممّن لا يريدون أن يُميتوا أو يموتوا ميتة جاهلية!!