الفئة: رأي
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الثورة ع 16010
تاريخ النشر: 2016-02-24

لا شكّ في أنّ للهويّة معنى يتمخّض انتماءً واندغاماً وتمثّلاً واعتزازاً، واندفاعاً للذود عنها في أوقات الخطر المحدق، ولا تختلف حال الهويّة السوريّة عن هذا المعنى، بل تتشبّع بها، وتكاد تكون الصورة الأكثر إشراقاً بها ومنها، ولا سيّما أنّ سوريّة الجغرافيا والإشعاع، عريقة وأصيلة، وهيّ لا تنفصل عن محيطها العربيّ، موئلها وحاضنتها وامتدادها، وهي رسالة وشراع ومسار وفضاء وحضور تاريخيّ ووجدانيّ متّصل ومكتنز ومؤتلق…‏‏‏

هذه الهويّة السوريّة، ومع هذا البعد الحضاريّ الإنسانيّ، بل بسببه، تُستهدف باستمرار، وتتعرّض لشتّى أنواع التهديدات والهجمات، ومحاولات الإضعاف والتشويه والتشتيت، ومنها ما تواجهه سوريّة منذ سنوات خمس، من عدوان شرس متعدّد الأشكال والسلاح والحوامل والأدوات. ولن يكون أمراً غريباً أن تبدو مسؤوليّة بعض السوريّين تجاه انتمائهم هذا، أقلّ ممّا هو مطلوب، أو ممّا يتطلّبه الوعي به والدفاع عنه، ولأسباب مختلفة، ليس المجال هنا لتعدادها، وهو ما ظهر عقوقاً لحضنٍ وحليبٍ ومشاعر وأنفاس حانية، وتخريباً لصورة وحياة، وتدميراً لمنجزات ومرتكزات، لكنّ القوّة المكتنزة المؤثّرة لهذه الهويّة من ذاتها وبذاتها، أسهمت في تحصينها، ومقاومتها للوهن واليأس، وثباتها في مختلف الميادين، والثقة الحاضرة لإعادة اللحمة، والارتباط، والعودة إلى الوطن، الذي ما تخلّى عن الذين تنكّروا، وإن أوغلوا في الجهالة والغيّ. إلّا من كانت شرارات احتراقه الداخليّ أقوى وأسرع لهشاشةٍ وجدب وجفاف… فكان ضحيّة أيضاً..‏‏‏

لكن، الغالبيّة بقيت على إيمانها بالوطن والهويّة/المعنى والانتماء والتضحية والعطاء بلا حدود، وما تزال تعيد رأب ما تفسّخ، بألم وحسرة وأمل وثقة بأنّ القادم أفضل، ولو بعد حين، وهذا، من دون أدنى شكّ، يحتاج إلى عمل أكبر، ووعي أسمى وأعمق، وغيريّة وجدّية، وسعي حثيث لسدّ الثغرات التي تسلّلت منها الكائنات الفتّاكة، والأفكار المسمومة، والأوهام والأورام.. وهذا لن يكون فعّالاً ومجدياً ومستداماً من دون الثقافة، التي تعبّر عن الهويّة أو الإيمان بها أفضل تعبير، وإنّ اهتزاز الثقة بالنفس والآخرين في الوطن الواحد، ناجم عن ضعف في الرؤى، وتهتّك في البصيرة، وتشرذم وأنانيّة وجحود.‏‏‏

كلها أعراض، تشير إلى اعتلال في الهويّة الثقافيّة، وقد كتبتُ ونشرت ما يؤكّد أنّ الحلّ/الخلاص لِما نعاني – مع الحلول الأخرى الإسعافيّة والمرحليّة- ليس سوى الحلّ الثقافيّ، الذي يدعّم الشخصيّة الثقافيّة الوطنيّة الإنسانيّة الواثقة بنفسها، وبالخيّرين في الوطن نفسه، ما يزيد القوّة المقاومة الدافعة إلى ما هو مبشّر ومؤمّل ومضيء… إنّها مسؤوليّتنا ومشروعنا ورسالتنا/وهويّتنا، نحن المثقّفين الوطنيّين في سوريّة العربيّة العريقة الناهضة الخالدة، لأنّها تليق، ولأنّها رائدة وجديرة، وتستحقّ الحياة الكريمة النابضة بالخير والإنسانيّة.‏‏‏

اترك رداً