أسماء وإبداع
أن يسعى الأديب إلى أن يكون له اسم يُستذكر، وقامة يُشار إليها بالكلام والأقلام، أمرٌ مشروع ومقدَّر ومسوَّغ ومحفِّز، وأن يسعى الأديب صاحب الاسم الذي صار، إلى ترسيخ اسمه حضوراً فاعلاً منتجاً مقوّماً مؤثراً أمر مطلوب ومرتجى..
لكن السؤال الذي يُطرح دوماً هو: من الذي يقرّر أن هذا الأديب أو ذاك صار في قائمة المميَّزين؟! أهو النتاج الذي أصدره، أم الأفكار التي طرحها، أم الشكل الفني الذي ظهرت به تلك الأفكار، أم الآخرون الذين تحدثوا عنه..؟! أم هو الانتماء الذي تقمّصه، حتى لو هجره لاحقاً، أم العلاقات التي نسجها مع المعنيين، ترغيباً أو تطفلّاً أو إلحاحاً، أم المصالح المشتركة، أم الدوافع المتقاربة والغايات المتشابهة والتوجهات المتوافقة.. ولا داعي للإشارة إلى أن بعضها ليس بريئاً أو من أجل عيون الأدب والإبداع؛ وهذا لا يشمل الذين بنوا تاريخهم بموهبتهم وعرقهم واحتراقهم..
ووصول عدد من الأدباء إلى حيّز الشهرة، يستوجب سؤالاً أصعب: كيف السبيل إلى المحافظة على ذلك؟!
إن في احترام صاحب الاسم الأدبي لاسمه، واستقامة قامته، وتألّق ذؤابته، واجباً ذاتياً وأدبياً وإنسانياً، ودليلاً متجدّداً على الموهبة، وجذوة الاحتراق الذي يشكو به، ويضيء دربه بإشعاعاته، وصلاحية عناصره وأدواته، وجدوى استمراره في التخويض في هذا المعترك المعذِّب العذب.
لكن ذلك لا يعني أن الحال ستستمر إلى ما لا نهاية، ولا يعني أن كلّ ما يكتبه هذا العلَم إبداع خالص، وما سيقوله فتاوى على الآخرين اتباعها..
ولا يعني أن حضوره المتعدّد، والمتوازي، والمستشري، سيبقى بالحرارة نفسها، والحيوية إياها..
ولا يعني أيضاً أنّ على أيّ منبر ثقافي أن يكرّس له حيّزاً أساسياً، وأنّ وجود صورة له في أيّ واجهة أدبيّة دليل لازم وكاف على امتيازها؛ بصرف النظر عما يمكن أن تتضمنه من مشاهد أخرى.
وهنا يبرز سؤال هام وضروري: لماذا لا يكون الاهتمام منصبّاً على المواد المنشورة لا على الأسماء التي تنتجها؟! ثم سؤال آخر: ولماذا لا يكون التوجّه إلى الأسماء الجديدة ونتاجاتها؟! إلا إذا كان المطلوب إغلاق المعابر بعد خطوي، لأنّ الأمهات يعجزن عن ولادة مبدعين آخرين!
ويُستطرَد بسؤال يتناساه الكثيرون: ألم تكن أسماء المشهورين جديدة ذات بداية؟! ألم تكن لهم تجارب متفاوتة الظروف، ومعاناة مختلفة الأشكال، حتّى تسنّى لهم تسنّم هذه المواقع، وتلك الحظوة من الظهور والطلب والاهتمام.
صحيح أنه ليس من السهولة توالد المبدعين، وصحيح أنّ اسم مبدع مميّز يستدعي اهتماماً خاصاً ومتابعة مأمونة، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الكثيرين يُستنزفون في كتابات متواصلة، ويتوّزعون في مختلف الاتجاهات حتى ينضب المخزون، وتشحّ الموارد، انشغالاً أو ترفّعاً أو غروراً أو كبراً.. فيسود التكرار في الأفكار والموضوعات، وتغدو الكتابات ارتجاعات أو أصداء أو وقائع باردة.. وتكون النتيجة خيبة لدى المتابعين، ونكوصاً، ونفوراً، إذا لم نقل شفقة وأسى وحسرة!
وليس من السهولة أن تقال هذه الأشياء مباشرة، ولم نعتد على المصارحة والعلن؛ بل تتردّد همساً أو مسارّة، أو نميمة، أو شماتة، أو تبقى حبيسة القلب والمشاعر والرفض المضمّر.. وتستمرّ الحال في البهوت والشحوب، إذا لم نفتح الأبواب والنوافذ للقادمين، أملاً وتطلعاً واستبشاراً.
***