الأجمل!
غسان كامل ونوس
سبقتَني..
وكنّا في الميدان، قريبَين أو بعيدَين، ولم نكن وحيدَين، ولم أكن أعلم أنّنا في مضمار السباق؛ لم أكن أعلم أنك الأقرب والأسرع والأوفى..!
الكأس في يمينك المشرعة، والغار على غرّتك..
وما تزال كؤوس، وغرّات.. وغار!
لم يخفّف تكاثف الهامات المرفوعة و(كثرة الباكين حولي) من قيمة الفوز، ومعنى الحياة؛ لم أتقاعس ولم أتبلّد، ولم أفقد الأمل..
ولستُ بحلّال التلال مخافة؛ بل طلّاع السرايا!
وليس من الضروري أن أنتظر القوم القادمين؛ منهم من سبقني كما فعلتَ، ومنهم من ينتظر؛ ولا أن أضع العمامة؛ فمَفرِقي وملامحي وحماستي وأدبي علامات فارقة، كما علاماتك والكثيرين.
ولست أرمي نفسي إلى التهلكة، ولم تفعل. الوقت في صالحك وزمنك متّصل..
حتى يرعوي من غفل، أو ضلّ، أو انحدر، أو من شحمُهُ ورمٌ؛ حتّى يسمع من به صمم!
وهناك من سمع النداء، واستشعر الخطب، واستطلع الغزو من بُعد وأمَد، ولكلّ زمان زرقاؤه!
وما كنتَ تلهو، وسواك يعبث؛ وما كنتَ تعدّ الأيامُ، والعمرُ محدود، ولا تحصي المفاتيح ولا تصغي إلى الرنين، وهناك من يعدّ الأطراف والرؤوس ليزداد الرصيد!
لم تكن تنام عن شواردها، ولم تكن في البيدر تختصم، حين زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت النفوس أحقادها، واستصرخت النجوع، وتقلقلت الأركان..
لم تكن في أولّ الصفوف التي تسعى إلى الكنز المسحور، ولا في قيعان الجحور وأركان العفونة، وصرتَ في مقدّمة الفاقدين؛ وشعشعتَ في إشراقة عِلِّيّين.
لم تكن في مسابقات الجمال، ولم يسقط اسمك سهواً من بين الملوك المتوّجين؛ فلستَ من بين المدعوّين الذين لديهم علامة السلالة (المعظّمة)، وكنتَ أوّلَ الساعين إلى النهر فادياً، كي يتبدد العكّر، وينكفئ الطوفان.. لعلّك الأجمل! ولستَ وحدك، ولستُ يائساً من هذه الحظوة؛ فما يزال –ربّما- في زورق الفرقة الناجية مكان!!
أغبطك على كل هذا السموّ، رغم السُّعار، ولا أغار؛ فثمّة الدروب إلى العلا لا تزال، ولا تزال الرياحين تتنابت من أجلك، وأجلي، ولا يزال الرّكب المتواصل من ابتداء الإحساس إلى آفاق الشعور في امتلاء، يمتدّ من أولّ الكرامة إلى لا منتهاها، ومن مُقْتَبَلِ الاعتزاز إلى سحائب الزّهو.. والهطل في ازدياد.
ليهنِك اليوم، أنّك وصلت، رغم أنّك لستَ من بداها، ولن يكون موسمك جناها الأخير؛
فالمدار والفصول والحياة التي نعرف، والطباع التي لا نختار، والإمكانيات التي نختبر، والرؤى التي تتوثّب، والظروف والحظوظ والمصائر والأقدار!
لن يتوقّف الأمر عليك ولا عليّ، ولن يقف عندك أو عندي، ما دام الظلم يتجدّد، وما دامت الظلامة تتمدّد.. وما دامت الروح لا تهوى الظلام، ولا تطيق الحصار..
سبقتَني، ولم نكن في سباق، ولسنا وحيدَين، والفائزون كثر، حتى لو تأخّروا؛ لأنّ السهام المشؤومة أخطأتهم، أو أرجأت عُدّةُ الشحذ والتسميم.. موعدَهم!
ليس الوصول وحده هو الهدف؛ الطريق المختارة بوعي، والمرتضاة بإيمان، المُسارة بجدّ، المخطوّة بالمهج، المكتظّة بالأماني، المحتشدة بالآمال، المُغتناة بالتنوّع، المشحونة بالرغبة، المُكتنَزَة بالخبرة، المعروقة بالتجارب.. ليست بلا قيمة أو معنى أو..!
ليهنِك أنك وقفت، وما من شكّ في عناء الواقفين، وتقدمتَ كأنك في جفن الردى وهو عاجز!
ياعَلماً تأتمّ الأباة به، لأن في جبينه نوراً وناراً، وفي غيابه حضوراً، وفي افتقاده استذكاراً يدوم..
لستَ وحدك، ولستُ في قنوط، ولن يخيب القوم إذا قالوا: من فتىً؟!! حتى لو لم يقل أحد، أو يستنجد أو يستغيث؛ فالحال معروفة، والمواجهة مقروءة، والخسارات متوقعة، والضحايا.. والغاية والراية والقصد والسبيل!!
***
الفئة: زاوية
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الأسبوع الأدبي - ليس آخراً
تاريخ النشر: غير محدد