وجهة نظر!
غسان كامل ونوس
تحب أو تكره.. تلك عاطفتك؛ تأمل أو تبتئس، تتفاءل أو تتشاءم، تفرح أو تكتئب، تخاف أو تأمن.. تلك أحاسيسك؛
تشارك أو تنعزل، تتوادد أو تجلف، سريع الغضب أو تتحمل الكثير، تحقد أو تسامح، تَبشِر أو تكفهر، تَهَب أو تتمنّع حتى عن منح ابتسامة.. تلك طباعك التي لا يستطيع أحد أن يحاسبك عليها، ويمكنه أن يتصرف حيالها وفق طباعه!
تصدّق أو تكذّب، توافق أو تعارض، تشجع أو تحبط، تُقدِم أو تُحجِم.. تلك مواقفك.
تقرأ أو ترسم أو تكتب أو تمارس الرياضة.. تلك هواياتك التي ستجد زملاء لك في أي مجال منها!
تعتقد أو تعتنق، وتؤمن بما تثق أنه منجيك في الدنيا والآخرة.. تلك قناعاتك التي تقوى وتضعف؛ وتلك مسؤوليتك وحدك أمام الخالق، ولا تَزِرُ وازرة وِزرَ أخرى!
كلّ هذا من حقّك، ومن حقك أيضاً أن تتفكّر بما يُقال أو يُثار أو يَعرض أو يحدث، وأن يكون لك رأي تُبديه من دون أن يعترضك أحد، أو يحاسبك مهما كنت رافضاً، ما دمت في إطار القانون، ولم يصل الأمر حدّ التجريح الشخصي أو التحريض على فعل مخالف!
وكما لك الحقّ في ذلك، فلغيرك الحقّ ذاته، حتّى لو كان موقعك أرفع، وإمكانياتك أقدر، وكانت أدواتك أكبر، ومريدوك أكثر، وعلاقاتك أوسع وأبعد وأعقد!
ليس من حقك احتكار ما للناس شراكةٌ به؛ فلا يمكنك التفرّد به ولا استغلاله ولا تعكيره ولا تخريبه حتى بحجة ما يخصّك منه، كما لا يحقّ لأحدِ مالكي سفينة ثقبُها في حصته منها!
وليس في القيام بما هو قانوني منّةٌ تُكافَأُ من أجله، ولا مسوّغ لمخالفتك ما لا تقتنع به من بنوده؛ ولا بدّ من ردعك عن التحايل عليه، أو التطاول أو التجاوز والانتهاك والترهيب قولاً وفعلاً!
ولا بأس في اقتراح البدائل؛ بل من المفترض القيام بهذا وفق الطرق المشروعة، وعلى الملأ، بدلاً من السعي الفردي الحادّ أو المستتر؛ فقد لا يتوافق ذلك مع آراء الكثيرين، وعليك إقناعهم، أو القبول بما تقرّه الأكثرية، سواء اقتنعت أم لم تقتنع!
قد تكون أمنياتك قريبة خاصة، واهتماماتك محدودة، وعلاقاتك محددة؛ أو قد تكون منشغلاً بالهمّ العام، منخرطاً في تنظيم أو تجمع.. أهدافك بعيدة تهمّ سواك بشكل أو آخر؛
وقد يكون لك وجهة نظر في الطريق إلى الهدف، ولمشاركيك الهدفَ ذاته عاماً أو خاصاً وجهاتُ نظر موافقة أو مخالفة، وقد تُعجَب بهذا المسؤول الحزبي أو النقابي أو الإداري، أو تنفر منه، تقتنع بخلاصات هذا المفكّر السياسي أو الاقتصادي، الباحث الاجتماعي أو التربوي أو النفسي، أو طريقته في التحليل والتأويل؛ أو تشكك في ما يطرح من أفكار، ويعلل، ولك أسلوبك ووقتك ودورك وجهدك في الحوار والقول والطرح.. هذا حقٌّ لك لا ريب فيه، ولك حق الاعتقاد أو الاعتناق، ولا لأحد الحقّ في عقابك عليه أو تكفيرك؛ كما ليس من حقك تكفيرُ أحد ممن لا يتفقون معك في ذلك، أو ينكرونه، ومحاسبتُه على ذلك.
لكن هناك ما يسبب الفرقة، ويثير القتنة، ويصدّع الجسد الواحد، ويفسد في الأرض؛ فليس من حقك اتباعه أو ممارسته، حتى لو كان له مرجعيات وفتاوى وشعارات في الداخل والخارج؛ فهذا ليس وجهة نظر!
وهناك ما لا يمكن أن يكون وجهة نظر، وليس من حقك الدعوة إليه أو قبوله أو السكوت عنه، أو حتى قوله!
هناك ما يتعلّق بحياة مواطن، وكرامة بشر، ومصير وطن؛ هناك استقلالية قرار وطني، ورفض الصفقات والإملاءات والتبعيّة للآخر، ومواجهة التهديدات الخارجية والعقوبات والحصار واستخدام المنظمات الدولية والأحلاف لضرب الوطن وثرواته البشرية والمادية، والنيل من تاريخه وحاضره، وإعثار تطوره وإظلام مستقبله؛ فهل الموقف من أي من ذلك وجهة نظر؟!
وحين تكتشف أن موقفك منسجم مع ما يريده الأعداء، يُفترَض أن تفكّر ملياً إن كنت لم تتنبّه إلى ذلك؛ فلا شكّ في أنّ في الأمر خطلاً، ويجب التراجع فوراً مهما بلغت الخسارة الشخصية! أما إن كنت تعلم، وتستمر في ذلك، فالمصيبة أعظم!
فكيف يكون الأمر حين تطلب العون من الأعداء، أو تراهن على مساعدتهم في أيّ لبوس أتت، وأيّ ادعاء كان، على حساب أهلك ووطنك؟!
تلك خيانة موصوفة، وكارثة خلقية وإنسانية!!
***