ليس آخراً
يا شهيد!
غسان كامل ونوس
شكراً لك وشكراً إليك..
شكراً لحنينك الذي عاد بك بعد إقدام إلى منبت أعطى وربّى وأثمر..
وأعادنا إلى أضمومة حزن في سبيل لمّة فرح!
شكراً لنثار الطِّيب الذي توزّعَ الكائناتِ الهتّافة والندّابة، الصائتة باندفاع والصامتة بخشوع، الهدّارة بوعي والسيّارة بثقة.. في مسيرك الأخير.
شكراً للفرصة التي اجترحتَها، واختارتك لتولّي كلّ هذه الوجوه في سمت واحد، وتكثّف هذه المشاعر كلّها في محرق واحد.
شكراً للولوع الذي أثرتَه بعد اشتياق، والحماسة التي هيّجتها في المسامات والمساحات والمفازات والرؤى، والإشراقة التي اندلعت في كل فاه وجاه..
الصدى الذي تردد في أعماق الأحاسيس أبهجُ من خصب، وأوقدُ من حسرة، وأزكى من بخور يجلّل أوقات الخشوع، وأحنُّ من لواعج المساءات، وأرقُّ من النفحات.. وأقربُ من ظلّ الظهيرة، وأبعدُ من نجم، وأوسع من كون..
النثارات في منافذ البوح أمضى من أسنّة و”حدود” ، وأشهى من تشبّع بالرغبات، وأغنى من تمثّل وتبتّل، وأصلبُ من عزم وحزم، وأقسى من دمع عنيد!
الناس في توثّب وتعقّب، الرؤوس في تسام ووئام، الأيدي في تعهّد وتوعّد. الصوت في توحّد، والقلب في تجلّد.. والقطر في الجبين المثلّم والجبهة المشرعة أصفى من ضرع مزنة، وأغزر من طل..
وأنت ما أنت يا أنت.. في كل آن وسمت، وفي كل لفتة ولهفة وصوت، وفي كل زغردة وولولة وليت..
وفي كل غصة وحرقة وفَوت..
لا دعاء إلا لك، ولا نظر إلى عليك، ولا اسم غير اسمك، ولا رسم إلا صورتك بالهيئة الكاملة، والهمّة العالية، والوقفة الناصعة، والراية الفارعة..
ترابك ألطف من نسيم الصيف
ومثواك أرحب من فضاء
وروحك آلف من العطاء
ووعدك أبرم من القضاء
غيابك حضور يدوم
وطيفك رضا مقيم
وذكرك فرضُ عين
وحكايتك تعويذة
الإرث عريق والجذر عتيق
والتاج شفق، والنبض ألق
وما لمصطاديك إلا الأرق والقلق!
شكراً..
كنت أحتاج إلى هذه الحضرة كي أتزوّد وأتجدّد
كنت أنتظر مثل هذه المرابع كي أنطلق أكثر
كنت أتملّى تلك الملامح كي أتصبّر وأتجبّر
كنت أتوق إلى هذه المنابع كي أثقَ أكثر
وها أنت يا ضنى
ها أنت في الرّيح والرَّوح في العلا كالسّنا
ها أنت في الرّوع كالضّوع والمنى
ها أنت يا أنت ما كنت في الصّول إلا الجنى
ها أنت يا أنت ما أنت إلا أنا!
***
الفئة: زاوية
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: زاوية ليس آخراً- الأسبوع الأدبي
تاريخ النشر: غير محدد