الفئة: زاوية
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: ليس آخراً- الأسبوع الأدبي
تاريخ النشر: 2012-12-08
رابط النص الأصلي: http://www.awu.sy

ليس آخراً
في شرفة الغياب!
غسان كامل ونوس

ابتردت الشمس في مفازة الخريف، أم تسلّح الغمام الشحيح بالدخان، أم اقترب الأفق بالمغيب، وتعثّرت أصداء الروح في شرفة الغياب؟!
ما كان القلب لينفطر أكثر، ما كان الصدع في النفس لينشرخ أبلغ، والوخز والأرق والمرارة في اتساع..
ما كان يمكن أن يأمن الجرح إلى حدّ النّصل الذي ما شبع ولا استكان، ولا كان الزناد يتعب من انفعال عبثي وحماسة فاجعة، وما كان يرعوي الوقت المارق بفجاجة في الفالق الحارق بين الجدّ واللعب، بين القناع والقناعة، بين الوعد واللا انتظار؛ ليس في متناولك البتّ، ولا القرار في منأى عن التناذر وعربدات النوازع وحشرجات النزوع؛ وليس اليقين واثقاً من استشعاره، لم يعد على يقين؛ ولا من مورّدات الشعور، لم يعد على ثقة؛ ولا من ملامح المريدين، لم يعد على يقين؛ ولا من أنين الضروع وتملّح الشفاه وانكسارات الغرّات..!
السهم إن أصاب أو لم يصب؛ لا يهم؛ بل الإطلاق..
من أصاب ومن أخطأ، لا يهم؛ بل أن يكون عويلٌ وندب!
كان يمكن أن يكون الأمر أشد هولاً، والخسائر أكبر، لو كنتَ هناك؛ كان يمكن أن يكون الصبر المضاعف عصياً، والوقوف الرزين عسيراً، وأن تكون المطالبة بالتصبّر والتأسي أقسى فأقسى!!
فالموعد لم يحدّد؛ لم يكن من موعد، والمناسبة لم تقم، والأمر لم ينقضِ؛ رغم أن القضاء الأرضي أوعز؛ المصادفة أم الضرورة أم الوقائع الصغيرة والفصول الهامشية؟! فللقضاء السماوي قول آخر، أخير أحياناً.
الحدث هنا لم يكتمل، لحسن الحظ أم لسوئه؛ لا أحد يمكنه التكهّن، ولا يستطيع التأمّل براحة ويسر!
ربما يحدث في مكان آخر، وبهول أعظم، ومأساوية أعم.
قد يحدث في وقت آخر، بعد قليل أو كثير، وبهذا الشكل الشنيع أو ذاك، وبهذه الوسيلة الفظيعة أو تلك، أو بما هو أفظع!
وقد حدث في مكان آخر، ولكائن آخر؛ بل في أمكنة كثيرة وقريبة وعزيزة، ولكائنات وكائنات..
لم تقلَّ مساحة الألم بعدم اكتمال ذلك؛ لأن آلاماً أخرى تكفي وتزيد لملء كل الأوقات والملكات والمشاعر والأحاسيس؛ لم تنفرج الدنيا لأن عناية ما كان لها حضور؛ فهناك وهنالك لا عنايات ولا مصادفات؛ بل ويلات وغصات وهتك وفتك وحصار..!
ليس عدلاً أن تفرح لأنك نجوت –هل عبرت حقاً تلك الـ وهل سيطول ذلك؟!- والشعور الإنساني حقّ؛ فهناك الكثير من الضحايا، في الحين عينه، وقبله وبعده.
ليس مُرضياً أن تزهو برأسك الذي خرج من دائرة الرصد مرفوعاً أيضاً وأيضاً؛ لأن رؤوساً أخرى قطفت، حتى وهي مطأطأة جبناً أو لا مبالاة أو نأياً أو تواضعاً!
وليست بطولة أن يخطئك السهم في مأمنك، أو ينال منك في ركنك المعتاد!!
وليست نهاية الحال، لو انتهيت، ولا في بقائك الخلاص المضمون؛
لأن هناك من انتهى، وهناك من لا ينتظر مثل تلك النهاية، رغم أن من الممكن أن تأتي، ولا يتمناها..
ليست المسألة طارئة، ولا غير مألوفة، لكنها غير أليفة، ولا يمكن اعتيادها حتى وهي تتكرر في الطريق، ماشياً أو راكباً، في البيت أو في أيّ من أماكن الارتياد التي قد تكون قلّصت إلى الحدّ المعيشي الملحّ، والواجب الوطني والإنساني الذي لا يصح التغافل عنه؛ وتصيب من ترصد أو من تصادف، وتخطئ من قد لا يُعمَّر ولا يهرَم؛ لأنّ هناك سهاماً أخرى، وكمائن وغدارين..
ولكن في كل حياة تُستأنَف فوزاً، وفي كل نجاة فرصة أخرى للعطاء، والرصد من جديد، ربما!
ورغم الكثير من الفقد، والعزيز من الألم، والمتكاثف من المرارة.. فإنّ هناك أحياء كثيرين، ما يزالون، أوفياء ومخلصون وصامدون.. وهم كثر، وهناك أمانٍ، وإرادات، ونوايا طيبة، وغايات نبيلة، ومشاعر إنسانية..
***
غسان كامل ونوس

اترك رداً