الفئة: زاوية
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الأسبوع الأدبي - ليس آخراً
تاريخ النشر: 2013-03-16
رابط النص الأصلي: http://www.awu.sy

ما يؤلم أيضا وأيضاً!

المؤلم أكثر لدى من يحملون شعارات “حضارية”، ويقومون بأعمال تغييرية، ويفصّلون “الربيع” على أوقاتهم، غياب ذكر الكيان الصهيوني عن خطاباتهم، ويتجنّبون الخوض في العلاقة المباشرة أو غير المباشرة معه، كما يداورون ويخاتلون في الإجابة عن مدى الفائدة التي ذهبت إلى أشداقه المفتوحة على الأرض العربية، وغريزته المتفاقمة تجاه الإنسان العربي، ونواياه القاتمة، وشراهته المعلنة.. منذ ابتدأت مظاهر الفوضى الهدامة، وانبثاثاتها الخفيّة، وأدواتها الغافلة أو المغفلة، وعناصرها المحرَّضة والمولَّدة.. مع عدم تناسينا بعض ما صُرّحِ به من مواقف مهادنة تجاه هذا الكيان، أو مشاعر ودّية، أو تحالفات قادمة، وفي الحالة الأدنى ستبقى العلاقة مؤجّلة حتى الانتهاء من الأهداف “الملحّة” التي ستمهد الطريق أمام خيارات أفضل، وقد جاء ذلك من “صقور” معارضة في الميدان الأرضي والهوائي، و”حمائم” في الملتقيات والصالات والفضائيات.. فيما “الإنجازات” التي يبتهجون لها من إرهاب وقتل وتهجير…، والمرابح التي بها يتغنّون من تخريب وإحراق وتهريب.. تصبّ في مجملها في جعبة الكيان الغاصب؛ بل إن أشخاصاً اغتيلوا منذ بداية العدوان على سورية، ومواقع نوعية تمّ استهدافها على الأرض، ليست سوى تنفيذ مباشر لأوامر صهيونية؛ فهي تنال من الكفاءات والخبرات والمراكز المتميزة في مختلف المجالات المدنية والعسكرية، التي تساهم في بناء سورية وطناً وحضارة وريادة وسيادة.. ولا يبتعد عن ذلك النّهمُ المحموم تجاه الرموز والشواهد المادّية والمعرفية في المتاحف الثّرية والمواقع الأثرية المكتنزة في مختلف بقاع سورية!
ومن السذاجة التفكير في أن مثل هذه العمليات “الثورية” تندرج في إطار فعلِ من لا يدري أبعادها الاستراتيجية؛ فالتخيّر والتوقيت والتنفيذ بمثل تلك الدقة والحرفية، لا يترك مجالاً للشك في مدى التخطيط والتحضير والتجنيد لوسائل وعناصر بعيدة وقريبة، نابهة وعارفة، ومن ذوي القربى أيضاً، وصلات الدمّ الذي.. أُفسد!
وفي الوقت الذي كانت الأوساط الصهيونية تسكت في البداية عن أيّ كلام في مثل العلاقة بينها وبين المعارضين في سورية، مع تسرّب أصداء تدشؤات النشوة وغرغرات الشماتة، لم تلبث أن بدأت تجاهر بتشجيعها وتأييدها لما يجري من تدمير ذاتي ممنهج للأركان المعمورة، وامتداد الحرائق في الحقول التي تنضج؛ مع تحرّك شياطينها من أدلّاء وجواسيس، ودخول إعلامي مزوّر ومكشوف، إلى بعض المناطق جنوب البلاد وشمالها؛ ثم بدأت أذرعها الطويلة بالتدخّل الفاضح بعد التهديد الصريح.. إمداداتٍ قاتلة، وتنصتاً تقنياً، وقصفاً مباشراً.. قد يستفحل في الأيام القادمة بشكل أكثر كثافة وعلنية، حين تختلّ أكثر نتائجُ الحسابات التي يقدّرون أن الأحداث ستؤول إليها؛ ولعلّنا نتذكّر ما جرى من اجتياح إسرائيلي للبنان وصولاً إلى بيروت في حزيران عام 1982م، والمعارك بين جيش العدوان والجيش العربي السوري على الأرض اللبنانية، بعد أن توقّفت أو كادت الأحداث الدامية التي استمرت سنوات في سورية، تلك التي كانت وراءها الجهات نفسها الواقفة خلف ما يجري الآن في وطننا الغالي، والأدوات المشاركة ذاتها، مع ازدياد القدرات التقنية المتنوّعة، والشراسة الإعلامية الفاجرة، واكتظاظ المواجع والتمزّق النفسي نتيجة توسّع الجبهة المعادية عربياً، وازدياد التعمية والتضليل، وافتقاد الوعي والتبصّر لدى الكثير من النّخب السياسية والثقافية، وحجم الجهالة والظلامية وممارساتها وامتداداتها وحضاناتها في الداخل والخارج، ودعمها بالمال والسلاح، وهذا ما لا يخفيه منذ وقت مبكر الكثير من دول العالم، ولا سيما الغربي منه، الذي يدّعي التحضّر، والحفاظ على حقوق الإنسان؛ مناوراً كعادته بوصفه ما يقدمه من مساعدات للمقاتلين بأنها غير قاتلة؛ ولعل في هذا الكلام من شرّ البلية ما يضحك؛ إذ تساعد هذه الأدوات مستعمليها على التنبيه إلى مواقع الطرف الآخر (القوى المدافعة عن الوطن ومكوناته وأمنه واستقراره، وسلاله المليئة بما يقيت، ويضمن متطلبات الحاضر والمستقبل، وخاصة الجيش العربي السوري)، وتساعد على كشف عناصره ومعداته ونقاط تمركزه وانتشاره وتحركاته، وتعرقل اتصالاته، وتؤمّن الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية بين الفصائل المعارضة، وتنقل لها الخطط والأوامر؛ أي إنها بأدواتها غير القاتلة تلك تثبّت لهم الخصم، ولا يبقى أمامهم إلا النيل منه، ولا يحتاج ذلك إلى أسلحة ثقيلة أو نوعية؛ بل يمكن أن يتمّ بأدوات حادة تتفق مع منطقهم وممارساتهم، ويتفنّون في ذلك؛ ولا يستطيع عاقل أن يخفي العلاقة التي تصل حد التماهي بين هذه الجهات الأطلسية وسواها والكيان الصهيوني.. مشاريعَ استعمارية ونهبوية، وأهدافاً إجرامية وغايات سوداء، وبالتالي فإن موضوع الاتساق والتناغم والتلاقي بين المعارضة المسلحة في سورية والكيان الصهيوني ليس مجال شكّ؛ والسكوت عنه أو التغافل والنكران.. مشاركة فعلية فيه، حتّى ممن يمنّون على الوطن وبنيه بأنّهم لا يوافقون على التدخّل الخارجي.. مع أنّ ما يؤلم أيضاً وأيضاً أنّ مثل هذه العلاقة والتواصل والتحالف ربما، لم يعد غريباً، أو من الكبائر ولا يحظى باهتمام كبير حتى إعلامياً؛ إلا لدى من يقاتلونه معاً: سورية المثال الأوضح؛ وهذا سبب وجيه ورئيس لكي تكون عدواً مشتركاً، في حين لم يعد الكيان الصهيوني الذي يحتلّ فلسطين العربية، والجولان العربي السوري، وبعضاً من جنوب لبنان، ويعتقل الآلاف من الشعب العربي الفلسطيني، ويهين البشر والحجر والشجر في الأماكن التي يهيمن عليها- العدوَّ الأكبر، أو العدوّ الرئيسي أو الوحيد؛ بل لم يعد عدواً البتة لدى بعض الدول العربية المارقة حقاً، والحكام الأتباع، والفصائل المرتدّة، ومفكريها ومثقفيها ومنظّريها.. ولم تعد تهمة التعامل معه والاستعانة به حتّى على الشقيق والقريب، تستدعي ذلك الشعور الحادّ المنفّر والمقزّز الذي تثيره جريرة الخيانة العظمى!!
***
غسان كامل ونوس

اترك رداً