الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة الثورة
تاريخ النشر: 2013-08-28

… ومِنَ المستفيدين –أيضاً- من الأحداث المؤلمة في سورية، سوى تجار الأزمة سياسياً، واقتصادياً، وإعلامياً، و«إنسانياً».. أناسٌ وصلوا إلى مواقع قيادية بحكم آليات معروفة:

تعيينٌ وفق ترشيحات شخصية أو ترفيعات وتعويم وتثمين.. أو فوزٌ في انتخابات واستئناسات وقوائم، مع علاقات وانتماءات وتحالفات وحساسيات ومواجهات.. وهذا ليس غريباً تماماً عما يجري في كل بقاع الدنيا، مع اختلاف في النسب بين بلد وآخر، ومجتمع وآخر، ومفهوم وآخر، وشريحة وأخرى..‏

وما من فهلوي، أو مستبشِر، أو مبصّر، أو واهم.. يمكن أن يتصوّر أنّ مثل هذه الحيثيات التي رافقت بعض تلك العمليات الانتخابية والانتقائية، ستتبدّل، أو ستنقلب بين دورة وضحايا، أو بين أزمة وأزمة، مع إشراف دولي أو أممي (محايد) أو من دونه.. لأنّ ذلك يستدعي حرثاً مجتمعياً مغايراً، وبذوراً ومغذّيات وحاضنات وراعيات مختلفة.. وهذا لن يتحقّق بسهولة؛ لم يكن ليتمّ ذلك بيسر، حتّى لو لم تكن الأزمة؛ فما بالك وقد حدث ما حدث، وتهشّم ما تهشّم، وتصدّع ما تصدّع..؟! إنّ مثل ذلك يتطلّب وعياً متميزاً وقناعة وإرادة، وجهوداً أكثر جدّية وجدوى.. ويتطلّب وقتاً وكوادر وبرامج وخططاً مستقبلية قريبة واستراتيجية.. وهذا ممكن؛ لأنّني على ثقة بأنّ‏

محصلة الخير في حيّز الوطن، وجموع المواطنين، كانت أكبر من مساقط القوى الشريرة، وسيظلّ في الطريق محبِطون ومشكِّكون وأدعياء ومنافقون..!‏

إنّ من السّهل أن تعيّن وتبدّل في مواقع ومسؤوليات لا تستوجب مؤتمرات وانتخابات وتجمّعات.. ومن الصعوبة اختيار الأفضل في ظلّ ظروف كهذه؛ تَقَشُّرِ بعض، وانكفاء بعض، وتردّد آخرين، وتخوّف وتهرّب..‏

لكنّ تلك المسؤوليات التي جاءت نتيجة خيار الأعضاء/غالبيّتهم أو أكثريّتهم..‏

وفي ظلّ صعوبة عقد مؤتمرات وإجراء اقتراع مهما قيل أو يقال عنه، فإنّ القائمين بها أو عليها مستمرّون في أدائهم الذي لم يكن جلّه بالمستوى المطلوب، ولا بالقدر المُرضي، ومنهم من لم تكد تسمع صوته، أو ترى شبحه، أو تعرف رأيه.. وإن كان بعضهم يتحدّث كثيراً في ضرورة الإصلاح وأهمية المواطنة، وينظّر في المشكلات والمساوئ والعثرات و»ينسى خلقه»، ويشنّ الحملة تلو الأخرى على الفساد والمفسدين والآخرين..! ظاناًّ أنْ ليس من يراه أو يراقبه، وما من أحد يطاله، أو ما من أحد لديه الوقت والقابلية والاستعداد ليرى أعماله، أو ليكتشف دواخله ومغاوره، ناسياً أنّ في بطانته من يعرف، وأنّ (للحيطان آذاناً)، ولم يُسكَتْ عنه خوفاً أو عجزاً أو جبناً؛ بل تقديراً لظرف لم يقدّره هو، وتخفيفاً عن عبء إضافي، وانفراغات مضعضعة وشرذمة ذاتية.. ربما يكون في إرجائها ما قد يكفي شرَّ المزيد منها، ويوفّر الجهد لجبهات أخرى أكثر سخونة وأشدّ أذيّة وخطراً..‏

لكنّها قضيّة تستحقّ الحوار بشأنها، والأمر لايتعلّق بمن انتهت مدد دوراتهم المقدّرة، وتمدّدت بحكم الواقع والظروف؛ بل حتّى أولئك الذين لم يُكمِلوا، ومن الضّروري التصرّف حيالهم..‏

لاشكّ في أنّ هناك أموراً ملحّة أكثر، وثغرات مكشوفة يقتضي سدّها، ومسارب يطلب إغلاقها؛ لكنّ هذه الثقوب المستورة بورق التّوت الشاحب، ليست أقلّ خطراً، وتلك المسؤوليات التي لها تأثير غير مباشر ربما.. هي بؤرٌ للتسوّس والتآكل والنّخر والترقّق، وهي حالات لا تنقصنا، ولسنا في حاجة إلى استشرائها أكثر، ولم يعد الوطن يتحمّل الكثير منها، رغم أنّ النّصال تكسّرت على النّصال..‏

نعم.. ليس عبور الأزمات هيّناً، وها نحن نعبر بالكثير من الخسائر، بالكثير من الأعزّاء المفقودين، لكنّه أقلّ مما كان مخططاً له، ومطلوباً، ومنتظراً من قبل من حاك ودبّر وتربّص وموّل ودعم وأوهم وأفسد.. وأرغى وأزبد!‏

وللمراحل الانتقالية السلميّة مفرزاتها وأعراضها وأمراضها.. فكيف هي الحال في فواصل الانتقال القسرية ما بعد الأزمة أو في أطرافها؟!‏

فمهما كانت النوايا حسنة، والشعارات صحيحة، والآليّات مكفولة، يظلّ التعامل مع الإنسان في فترة التعافي، أو الإجهاد أو استراحة المحارب.. يقتضي الحذر والفطنة والتفهّم..‏

وعلينا جميعاً أن نشارك في ذلك؛ لأنّ في الانتظار أكثر خسارات مضاعفة، والتردّد مشكلة، والانكفاء خسارة، والسكوت تقصير وعجز، وإسهام في إطالة سيطرة المرض أو استشرائه، فيما نحتاج إلى تقليص فترة العلاج، كي نكون أكثر أملاً وقناعة بالخلاص الآمن.‏

اترك رداً