الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة الثورة
تاريخ النشر: 2013-10-02

نظرتك مواربة، ولفتتك مجهولة النسب؛ تقول كلاماً تُشتَمُّ منه رائحة سواك، وتمارس طقوساً امتهنَها سواك، وفي أسلوبك حركات متنافرة كأبناء السبيل،وما بال نوافلك توافي رغبات الآخرين، وتتنوّع بتعدّدهم؟!

للمهمّة واجبات، ومسؤوليّات، وبرامج عمل، وظروف أداء، وشروط تنفيذ، وخصائص وتفصيلات..وقد توزّعتْ مهمّاتك، وتتوسّع أكثر فأكثر!‏

ليس التساؤل حول كفاءتك لهذه المهمّة أو تلك،وانسجامك معها، وليست قدرتُك على أدائها تخصّ من اختارك فحسب، أو من انتخبك، أو تحدّث عنك بثقة أو إيهام؛ بل الأمر يتعلّق بك أيضاً؛ إذا كنت لست أهلاً لها، فهي محرقة لك؛ وإذا كنت أكبر منها، فيمكنك أن تبقى كبيراً، وترفعها معك، أو تنصاع إلى حدودها وتسقط في أخاديدها وتتقزّم معها.. السؤال الأهمّ: كيف ستتصرّف حيال المتطلّبات العاديّة،والإجراءات التي لا تخلو من خصوصية وفرادة؛ بل في حال طرأت أشياء، واستجدّت قضايا؟! وماذا عن المبادرات والإبداعات والتميّز؟!‏

لستَ وحدك، ولستم على وفاق،ولا على اتّفاق في الرؤية والموقف والإيقاع.. هل ستكون ظلَّ الآخرين أيضاً، وصدى رغباتهم أم سيكون لك رأي تُناقِشُ به، وتُقنِع؟!‏

ليست الأمور سلسة، وهناك مفاجآت ومطبّات وعثرات؛ فهل تنتظر الأوامر، أو تستشفّ التوجيهات، أو تقرأ الملامح والمصالح، وتتحرّك وفقها؟!‏

في عينيك صور متحركة لكائنات وأشياء، وفي سمعك نبرات ورنين، وفي أنفاسك طعوم غريبة عنك، وفي رقادك أحلام وربما كوابيس تهجس بآخرين، وفي حديثك أفكار ومصطلحات لم تكن مألوفة لديك، وموئلك ظلُّ أضواء تتبدّل طاقاتها، وتتحوّل سموتُها..‏

فإذا ما غاب الجذع، وتفرّقت الغصون، أين ستجد نفسك، وكيف ستتصرف؟!‏

إذا ما مال المؤشّر، وعُطّلت الإشارات، وشُوّهت الملامح، فكيف سيكون موقفك ومسارك وخطوك، وأين سنجد بصماتك؟!‏

لماذا لا تكون أنت المثال الذي يبحث عنه الكثيرون؟! لماذا لا تكون أفكارك أمثولاتهم، وأقوالك ترجيعاتهم؟!لماذا لا يغدو أداؤك سبيلهم، ووجودك إشعاعاً لهم وانتثاراً؟!‏

ما الذي ينقصك، أو يمنعك، أو يضلّلك، أو يشوّشك، أو يخيفك، أو يقلقك، أو يغويك، أو يورّطك…؟!‏

لا.. لا أريدك كما أنا أو كما أرى؛ فلك موقعك ومَلَكاتُك وعناصرك، ولستُ المثال الذي لا يُبَزُّ، ولا أتمنّاك على ما أحبّ، وأتوهّم ربما؛ لأنّ لي رغباتي ونزواتي أيضاً..‏

ولا أنتظر منك أن تقلّدني؛ ولا أفرح لذلك، ولا أقبل.. فمهما نجحتَ في ذلك، وقد تكون لديك خبرة أو معلومات أو محاولات؛ فهناك الأصل، والمقلّدون كثيرون، ولم آمُلْ أن أستمع منك إلى وقع كلماتي تخرج من فيك، ولا يرضي ذلك غروري؛ بل أريد أن أسمع كلماتك التي قد توافق أو تخالف، تنتقد أو تطوّر، تنسف أو تدعم.. لا كبير فائدة في اتباعك ماقد يراه الكثيرون، مع أهميِّته ربما، وصفة ناجعة في العمل على تنفيذ المطلوب، ولا كبير جدوى في أن تتواصل الأشياء على ما كانت، ولا أن تتحرّك وفق رؤى الآخرين القريبين والبعيدين، التي لا تلتقي ربما.‏

ليس خلودي من خلال صورة تشبهني، أو أقوال تمجّدني، أو تمثال يجسّدني؛ بل إن استمراري يتأتّى من خلال أناس يسعون ويجدّون، يفشلون وينجحون، يخيبون ويفوزون، لا يملّون ولايُحبَطون، ولا يكتفون بإعلاء شأني والقَسَم باسمي والتمثّل بي، وإن كان جلّه تمثيلاً..‏

الخلود أن تبقى الحياة جديرة بأن تعاش من خلال كائنات قادرة على صون ما أُنجز، واحترام ما قُدّم، والتطلّع إلى الأفضل، والاستعداد والإقدام لإنجازه.. وهي موجودة.‏

وهذا بالتأكيد لن يكون عبر كائنات موجودة أيضاً، تهدم وتحرق وتقتل، وتكفّر وتتّهم وتحكم وتنفّذ حتّى الإعدام.. ولا بالسكوت عنها، أو ممالأتها أو مداراتها أو الانهزام أمامها، كما لا يجوز الاستسلام والتبعية حتّى لمن هم ناجحون، أو مقدّرون..‏

وماذا عنك أيضاً وأيضاً؟! ومن تكون؟! وماذا تمثّل؟!‏

فأنت لن تَكونَ من خلال شعارات محبّبة تردّدها من شفتيك، ولا محفوظات تلقيها بحماسة عن ظهر قلب، ولا أقوال مأثورة، وحوادث مكرورة.. كلّ هذا لا يجعلك مجدياً، ولا حاضراً، ولامُقْنِعاً..‏

فالسؤال الدائم هو: ما أنت وما تبتغي؟! عسى أن يكون المبتغى «جلّ أن يُسْمى»!!‏

اترك رداً