من أولويّات البحث في العلاج، وبدهياته، تشخيص الداء، ومعرفة السبب، أو الأسباب التي تستدعي المعالجة؛ ابتداء من الوجع أو الشكوى، ومروراً بالأعضاء أو العناصر المتأثّرة. ومن النافل القول إنّ من المفترض أن يكون المشخِّص ذا دراية وعلم وخبرة؛ لأن ما يُبنى على تشخيصه، أو يفترض أن يُبنى، مهمّ في عودة العضو أو الكائن إلى مهمّته، وقيامه بمسؤوليّته. وإذا ما كان التشخيص غير موفّق، ستكون النتائج عكسيّة، وتتضاعف الأذيّة؛ فلا الإصابة تَشفى، وقد تتفاقم، ولا العلاج يفيد، إذا لم يسبّب أضراراً أخرى..
وقد تكون الإصابات أو الأذيّات غير منظورة، ولا تُظهر ألماً أو تستدعي شكوى، وهي من الأخطر والأدهى؛ لأنّ عدم اكتشافها وعلاجها سيؤدّي إلى تفاقمها، وستكون جميع الإجراءات الأخرى التي تهتمّ بمواقع أخرى وعناصر أخرى بلا جدوى.
كما أنّ من الممكن أن لا يتحمّل المعالَج نوعيّة العلاج، أو لا يتناسب العلاج وبرنامجه مع الإصابة؛ فيضيع الوقت والجهد، ويبقى القصور، وقد يزداد العجز.. وحين يكون العضو متماسكاً قويّاً، يستطيع أن يساعد في العلاج، وأن يقوم بالترميم، ويدعم العناصر المعالَجة بالمواد المعالِجة.
لكن المشكلة الكبرى تظهر، حين يصاب الكائن بالوهن العام، أو القصور الداخليّ المستشري؛ فلا هو يساعد على الترميم، ولا هو قادر على تقبّل العناصر المدعمة، التي لا تجد ما تستند إليه، أو ما تتقاوى به؛ حينئذ لا جدوى من العلاج الموضعيّ، حتّى لو كان مركّزاً؛ ولا فائدة من الجرعات المتباعدة، ولا جلسات التدليك، أو التدليس، أو تقديم الحكم والوصايا، حتّى لو كانت عشرات..
الأمر حينئذ يحتاج إلى عناية خاصة، وإعادة تقويم للحالة، وسبر المواقع التي ما تزال محافظة على خواصّها، والأخرى المتماسكة، التي تحتاج إلى القليل من العناية، لتدعيمها، وإجراء مسح عام واستدعاء خبرة شاملة، لتفضي إلى ما يجب عمله..
ولا شكّ في أنّ من غير المفيد؛ بل من الضرر بمكان، أن يُعهد إلى من كان سبباً في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه من حال مزرية، بإجراء التقويم، أو الترميم، أو يُترك ليعيد تكليف نفسه، أو يعمل على آليّات تؤدّي إليه؛ هو الذي كان يقدّم التقارير المبهمة، والمشاهد المفرِجة، وهو موغل في جسدها انتهاكاً، وفي خصائصها تحويراً، فيما كان السوس ينخر، وتُسمع أصواته، أو تنتشر رائحة العفن مسافات، ولا من يسمع، أو يردّ على من يشير إلى ذلك، ويقدّم الدلائل، ويبيّن الأسباب! والأنكى من كلّ ذلك، أن لا يكتفي من قام، أو قاموا بذلك، أو سكتوا عنه، ومالؤوه، وشاركوه الأنخاب على المحتضَر؛ بل يتقدمون بملء نفاقهم، وفاقع نهمِهِم للاستمرار في مهمّاتهم، والتجديد لهم فيها، حتّى إن كانت القوانين لا تسمح، والأنظمة لا تخوّلهم؛ لكن السكوت والخذلان وعدم المساءلة وانعدام المحاسبة.. يجعل من كلّ ذلك أمراً مشروعاً، إذا لم يكن مطلوباً. تلك حال كثير من مؤسّساتنا، ومنها الثقافية، للأسف الشديد، التي أصابها الخواء، ويحرص القائمون فيها وعليها؛ على أن لا تجدّد الدماء، ولا يتغيّر الأداء، ولا تتبدّل العقلية، ويبقى الداء مستحكماً إلى أن يأتي الأجل المحتوم من دون طلقة الرحمة!
***
الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: المجلّة مزاج ع 2
تاريخ النشر: 2015-08-15