كانون يا…
الموقف الأدبيّ-
غسان كامل ونوس-
كانونُ يا كانونُ
والدنيا شؤون أم شجون..؟!
هل أنتَ وقعٌ قارسٌ
يمضي إلى أجلٍ
ومسرى
أم زمانٌ غصّ من ضنكٍ
ودفلى؟!
أم قضاءٌ محكمُ الأهواءِ
و”العرشِ المصون”؟!
أرنو إلى فَوْدَيكَ
منذورَينِ للأنواء والشكوى
وغرّتكَ استباحتْها السنونْ
أنا ما عهدتكَ قانعاً
بالزهدِ من ومضٍ
ومن وقع الهتونْ
و”الصحو في كانونَ
تلبَسُهُ الظنونْ!”*
رعشٌ وحشرجةٌ
وحرقةُ أنفسٍ تعبتْ
ووخزٌ في شهيق الروحِ
لسعٌ كالصقيعْ
عرجَ المَسيلُ
وجدولٌ
أرِقتْ ضفافُ نشيجهِ
الصادي
ويقرقرُ الوادي بلا زرعٍ
ولا ألقى على الينبوعِ ورّاداً
ولا خبرٌ عن النائينِ
والراؤونُ ملّوا
من رحى التحديقِ
و”الشجرِ الذي يمشي”**
إلى بيّارةِ الحيّ العتيقةِ
ما استفاقَ الروعُ من ظمأٍ
ولا “دَلْفٌ” يسلّي
أو دعاءُ الرعدِ والتسبيحُ
أو ترتيلةُ الفجرِ العنيدِ
ولا شكاياتٌ
وعينُ السفحِ مرمَدةٌ
ووقدٌ في الضلوعْ
*
أنا ما عرفتكَ قانطاً
من أيّ فجٍّ
هبّتِ الريحُ
اغتنمتَ
معابرَ الوجعِ الأليفِ
على ذرا التلويحِ
باغتهُ السؤالْ ولا جواب:
ما الرايةُ الـْ جنحتْ؟!
وما فتواكَ
أو حكمُ الشريعةِ في خروجكَ
كاليبابْ؟!
رفقاً بأحداقٍ تتوق إلى القيامةِ
في فيوضك تنجلي
رفقاً بأشلاءٍ
يعزّ على بقاياها
طوافُ “الآلةِ الحدباءِ”-
آهاتٌ تندّتْ عن فتاوى
أو خفايا آيةٍ
أو زفرةٍ
أو رعشةٍ
أو رميةٍ عمياءَ-
لا عذرٌ ولا…
رفقاً بأبناء الحياةِ
تناوبوا
نَخْبَ العكارةِ والجفاءِ
بلا حياء!
يا ثوبَكَ المربدّ من وقع
النداءِ المرِّ
أو نوحِ الثكالى
في العراءْ
يا بُردكَ الموشومَ كالسحر الخفيِّ
ببابِ كهفٍ مزمنٍ
وثُلومُ عمرٍ للشقيِّ
تغورُ
في اللحمِ الطريّ
يا أفقكَ المخبوءَ
خلفَ مدارجِ الغيمِ الملبّدِ
بالوعودِ وبالنكولْ
يا ظلّكَ المرتدَّ
كالتربِ العصيّةِ
-والمُنى ناستْ-
على الأجداثِ
عاجلها الأفولْ
*
الآن تأتي مشبَعاً
كعهودِكَ الْـ مرّتْ
ولكنّ الضحايا قُصَّرٌ
أو نازحون من الحياةْ
الآن أبحثُ في شحوبكَ
عن يقينٍ
أو تعاويذِ الدعاةْ
والأرض وعرٌ
والنجوعُ كمائنٌ وأسنّةٌ..
أينَ القطيعُ
وأينَ شرذمةُ الرعاةْ؟!
والنعجةُ الْـ كانتْ
سبيلي للخروج إلى الدنى
هجرت حياضي
أو سباها الغزوُ
أو سُفحتْ على شرفِ القبيلةِ
كالأضاحي
أو ربوعي أقفرت..
والدار لم تسلمْ
ولم تسعفْها أسوارٌ
وأشعارٌ
وحرّاسٌ برسم البيعِ
والسهوِ المبكّرِ
والشواردِ والسعاةْ
الدارُ لم تسلُ حجارتُها المنيعةُ-
كم تكسّرتِ النصالُ
وكم تناومتِ الرياحْ!
الدار لم تغفُ
ولا أَمِنَتْ
وكانت كالذين تعلّلوا
وتدلّلوا
مشغولةً
بظلالِ من مرّوا
ومن أمّوا
شغافَ حنينها
ومن سكتوا عن القولِ المباحْ
*
إنّي أنا “المجنونُ”***
-يا كانونُ-
لا بيتٌ ولا كوخٌ أكَنكِنُ
في خوافيهِ
ولا زيتٌ يحنُّ إلى السراجْ
لا نومَ
والصحوُ استراقٌ من
كوابيسِ الحقيقةِ
لا سياجْ
في الركنِ موقدةٌ
تفحُّ تناذراً
من أينَ آتيها
-وآتيني-
بوَحْوَحَةٍ
وَوَشوشةٍ
وحرحرةٍ
ونبضِ حكايةٍ ضاعت
وطيفٍ أثملَ السمّارَ
لا شحّارَ
في الرمدِ المقيمِ
ولا انبلاجْ
*
بارت سجايا القومِ
والضحكاتُ ناستْ
والرؤى هجعتْ
وغار الحبْوُ
واللثغُ المعرّشُ
في الحنايا
وتقزّمتْ عندَ المَفارقِ
لفتةٌ أُنسيّةٌ
وعلى الثنايا
والجذوعِ بقيّةٌ
من بوحِ
من كانوا عذارى!
والدربُ تشكو
سحنةَ الخطوِ الغريبِ
وفي الحواري والسفوحِ
مواسمٌ شردتْ
ونهداتٌ
وهلوسةٌ
وأنفاسٌ حيارى..
*
كانونُ يا…
مجنونُكَ
احتارتْ فصولُ الصبرِ
في عينيهِ
وارتاعت أراجيح الأنامْ
وتلمّظَ الحتفُ المُرابطُ
واستحالَ الهتكُ والتجريحُ
ألهيةً وسلوى
مجنونكَ
اختالتْ حدودٌ أُشرعتْ
في بؤبؤٍ
حامت على جفنيهِ
ألوان الظلامْ
*
أتفيّاُ الغيمَ الشريدَ
وومضَه
الأشهى
برغمِ مطارقِ الخوفِ
الموقّعِ
في دواجي الهمِّ
والأرقِ العنيدِ
ولدغةُ الذكرى تصولْ
وصهيلهُ المحمومُ
قافلةٌ من الرجمِ المعربدِ
في يقين الموجِ
“لا بطلاً أخاكَ”!
ولا سِواكْ!
أتُراكَ في حمّى التصبّرِ
والتأسّي
في حنينِ الهجعةِ
انهدّتْ
أنيناً
في خلايا الوقتِ
والبوحِ المسجّى..
تستزيدُ من الشراكْ؟!
ورؤى التسابيحِ استطالت
في مسامِ الزهدِ
والشكوى
ووقدٍ لا يطولُ
ولا حَراكْ!
*
أمشي على وخز السؤالِ
انداحَ مع ميزابِ غفلتيَ
المقيمةِ:
هلْ ألاقي في مآقي الحزنِ
مُزناً
لاتّساعِ الهمّ
في أفقِ التنائي؟!
هل على شوك التخوم
براعمٌ
وشذا يُعتَّقُ
والرياحين السخيّةُ
تتّقي خفرَ الشحوبِ
وتستقي نسغاً فتيّا؟!
هل يستجير القلبُ
بالأنفاس حانيةً تعرّشُ
في أديم الشهدِ
كالموّال
منسرباً عليّا
وهل الفصولُ تداولٌ
والنعْمَيَاتُ رواجعٌ؟!
في البال بعضٌ من سويعاتِ
الرضا الجزْلى
كثيرٌ من لهاثِ الوجدِ
والدفءِ الحنونِ-
وسندسُ المرجِ الخضيلِ
وفتنةٌ..
في البال رجعٌ
للحكايات الأليفةِ
واشتعالُ الهجسِ بالأحلامِ
دنيا من رحيق
هل في نثارِ الوقتِ
أو وقعِ القضاءِ
تهجّدٌ وتأمّلٌ؟!
وعلى سفينِ العمرِ
-يمضي في تنكّسهِ-
مآباتٌ مؤجّلةٌ
فهل تحنو الطريق؟!
***
*إشارة إلى مَثَلٍ معروف: صحو كانون وراه ظنون!
** إشارة إلى حكاية زرقاء اليمامة.
*** إشارة إلى القول المألوف: كانون.. كنّ ببيتك يا مجنون!