الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: المهندس العربي
تاريخ النشر: 2015-12-20
رابط النص الأصلي: 

ليس الأمر مدعاة للرضا بكلّ تأكيد، ولا للقبول وهدوء البال والاستكانة، والاقتناع بأنّه القضاء والقدر؛ لكنّها الحال الحاضرة بخساراتها الباهظة، والواقع ومرارته، بتأثير العدوان الممنهج، خارجيّاً وداخليّاً، والمحضّر لينال من مختلف مظاهر الحياة في سورية: التخريب الذي طال البنى التحتيّة، والتدمير الذي لحق بالمنشآت الاقتصادية، والاستهداف المتواصل لمراكز القوة والمنعة. لا شكّ في أنّ الوطن باقٍ، بهيكليّته التي صمدت، وتتطلّب تجديداً، ومؤسّساته التي قاومت، وهي تحتاج إلى تدعيم، وآليات العمل لا يمكن أن تستمرّ بالوتيرة التي كانت، والأسلوب الذي هيمن، والعقليّة والأداء بمستويات متفاوتة. الأهمّ من كلّ ذلك، الرؤية والحيويّة والفعاليّة في ضوء الاستراتيجيّة، الّتي لم تكن غائبة تماماً؛ بدليل الصّمود والمقاومة والنّجاة، مع هول الفواقد والانهدامات في الرّؤوس والنّفوس..
لا شكّ في أنّ مرحلة جديدة بدأت توّاً، أو هي ابتدأت بشكل ما، أو ربّما ستأخذ مسارات متسارعة قريباً، قوامها البناء الشامل. ومن الطبيعي أن يكون لهذه المرحلة مراحل ومحطّات وفصول، ولكلّ منها مدّته وأدواته وعناصره ومتطلّباته، وليس أيٌّ منها منبتّاً عن الآخر؛ فالعلاقات حالّة، والوشائج قائمة، وإن اختلفت طبيعة بعضها عن بعضها الآخر، وتفاوتت شدّاتها ومَدَياتُها واتّجاهاتها..
وليس من المنطقيّ أن ننتظر حتّى تخمد النّيران تماماً، أو يتبدّد غبارها؛ وقد شهدنا، ونَشْهدُ تدخّلات إسعافيّة متواصلة في قطاعات مهمّة تحت الخطر: الكهرباء، والمياه، والوقود، والمشافي.. كما أنّ من غير المناسب أن ننتظر حتّى تنتهي الخطط كلّها، وفي الميادين جميعها.
لكنّ غير المقبول أبداً، أن نُفاجأ بأنّ إعماراً سيحدث، وإعادة بناء ستتمّ؛ إذ يذكّرنا ذلك بمفاجأة المطر أوّلَ الشتاء، والمصارفُ غير سالكة، وحفر التفتيش مصمتة! كما تذكّرنا أكثر من مرّة، وبعد الانتهاء من إنجاز منشآت حكوميّة، ومنها ما له علاقة مباشرة بالآليّات، أنها تحتاج إلى مواقف للسيارات!!
وهل سنفاجأ بحجم العمل المطلوب، وزمنه، وكلفته، ومجالاته، وما يحتاج إليه من كوادر بشريّة مؤهّلة، وإمكانيّات آليّة، وتجهيزات ميدانيّة…؟!
الموضوع ليس سهلاً، ولا بسيطاً، ولا عارضاً، ولا مكتمل الرؤيا، منجز التصور؛ لأنّ هناك ما هو قريب ملحوظ، ينبغي توصيفه وتدقيقه، وبعيد معلّق، أو مرتهن للكثير من التحوّلات التي ما تزال تحدث، وملحقات يمكن إضافتها، وتقتضي متابعتها..
ويمكن لبعض الحالات أن يُكتفَى بترميمها أو صيانتها الجدّية، تلك التي كانت حديثة، ولم تتمكّن منها مطارق الهدم، وسموم الحقد؛ لكنّ هناك ما تقتضي إزالة أنقاضه، وما تبقّى منه، قبل أن يُبنى من جديد، وبما يناسب زمناً مختلفاً، وشروطاً جديدة، وظروفاً مستجدّة، ووظائف مختلفة.. ربما؛ وهناك منشآت لم تكن، ولم يعد ممكناً التغافل عن ضرورتها، ولا تحتمل التسويف ولا التأجيل؛ ناهيك عما يتطلّبه التطوّر الطبيعيّ، والنموّ السكّاني، مع الاهتمام بما طرأ على ذلك من تغيّرات وتبدّلات زيادة أو نقصاناً، في الكمّ والنّوع والحال…
هذا كلّه يحتاج إلى رؤية موضوعيّة متكاملة، تحدّد الأولويّات؛ ولا شكّ في أنّ الأكثر أهميّة وضروريّة، أن يُبدأ بما يؤمّن إيواء الناس، وتخديم مجمّعاتهم، ويؤكّد إرساء أسس التحصين وقواعد الدّعم الملحّة، في كلّ مرحلة، وما يمكن أن يكون مفيداً أكثر في إنجاز المراحل التالية؛ حيث يُفترض ألّا يكون تعارضٌ أو تناقضٌ أو تشابكٌ غير محسوب، ولا ثغرات تعرقل الإنجاز في وقته؛ هذا الذي كان غير متاح حتّى في أزمنة الرّخاء، ومن المؤكّد أنّ آثاره السلبيّة، ولا سيّما في مثل هذه الظروف الاستثنائيّة، ستكون مضاعفة.
لا شكّ في أنّ للمهندسين باختصاصاتهم المتنوّعة، وكياناتهم المتعدّدة: نقابةً ومجموعات وأفراداً، دوراً مهمّاً في كلّ ذلك؛ مسحاً للواقع، ورصداً للتّفاصيل، وتجميعاً للمعلومات

، وتصوّراً لمّا يمكن أن يكون، واقتراحات مناسبة، ومبادرات إيجابيّة، وإقدامات مسؤولة..
فهل ننتظر أن يُطلب منّا التحرّك، أم نباشر الحركة في الاتّجاهات، التي يمكن أن نفيد منها، ونستفيد، ولا سيّما في مرحلة الدراسة والتخطيط، كي تكون إسهاماتنا مثمرة؛ إيماناً منّا بدورنا ومسؤوليّتنا، وثقة بقدراتنا وإمكانيّاتنا، وتعبيراً عن حضورنا، وسعياً إلى تأمين ما نستطيع من مصلحة للوطن؛ إضافة إلى مصلحتنا المشتركة في كلّ ذلك؟!
الأمر بالغ الأهمّيّة، والتوقيت مهمّ، والحماسة مطلوبة، والمبادرة ملحّةٌ بلا تلكّؤ أو تسويف أو تخويف…
***

اترك رداً