الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: 
تاريخ النشر: 
رابط النص الأصلي: 

على سبيل المشورة

ملحق الثورة الثقافيّ-

غسان كامل ونوس-

ليس من عادتي أن أهتمّ بما تستهلّ به الكتب عادة من تقدمات وانطباعات وتوضيحات ودراسات؛ ولا سيّما الإبداعيّة منها؛ فهي في غالبيّتها تقريظات وتقرّبات، أو عواطف أو آراء شخصيّة وإشعارات ذاتيّة إلى من يهمّه الأمر، قد تعوزها الموضوعيّة والفائدة بهذا القدر أو ذاك. ولكنّني، حين بدأت بقراءة رواية أجنبيّة مترجمة، نالت ومؤلّفها غير العربيّ نصيباً مهمّاً من الشهرة، منذ سنوات ليست بعيدة، استوقفتني مقدّمة المؤلّف، الذي يعيش في الغرب، وفي بلد بعيد عن بلده المنكوب، يشكر فيها شخصيّات عديدة، ساعدت في إخراج الرواية إلى الضوء، وكانت أوجه المساعدة متعدّدة؛ من المراجعة اللغويّة، إلى المتابعة الفنّيّة، إلى مواقف مشجّعة، ونصائح تخدم العمل في تفاصيل تخصّ البلد الأصليّ، إلى الاستشارة الاختصاصيّة في مجال بعيد عن مهنة الكاتب؛ وصولاً إلى عمليّة الطباعة، والنشر… 

وسبق أن لاحظت مثل هذه المقدّمات، المتضمّنة إشارات مماثلة إلى جهات وأشخاص، في كتب أدبيّة وغير أدبيّة متنوّعة، وقد ترك هذا- ويخلّف- انطباعات ومفارقات وارتدادات وتساؤلات، تبدو مشروعة، لدى من يعملون في هذا الحيّز الثقافيّ الواسع والمهمّ، وفي منطقتنا العربيّة.

وأوّل ما يسترعي الانتباه، أنّ العمل الذي صدر، تمّت ولادته بجهود مجموعة من المهتمّين والمعنيّين؛ إضافة إلى جهد الكاتب، الذي لا يسيء إلى دوره، ما جاءه من مساعدة؛ ولا يضيره الاعتراف به خطّيّاً؛ مرفقاً بعبارات الامتنان والتقدير؛ ليصبح الكائن الخارج إلى النور أشبه بنتاج مؤسّسة ثقافيّة غير مسمّاة أو مهيكلة؛ مع إمكانيّة وجود مثل هذه المؤسّسة في كتب أخرى، ومجالات أخرى؛ ومن البدهيّ أنّ عمل مجموعة أغنى وأكمل، وأقلّ أخطاء وثغرات، من عمل شخص بمفرده! ولا سيّما إذا كان أفرادها متطوّعين لمثل هذا العمل، أو محترفين، محفّزين على إنجاز مشروع العمل؛ نوعاً ومادّة وتفاصيل وغاية وأبعاداً، أو راغبين في الاطّلاع والمتابعة والتفاعل الحيويّ المثمر؛ لأنّ الأمر لم يخرج عن التحكّم بعد، وما زال في إطار التحضير والإعداد، ويمكن للكاتب أن يصوّب ما يقتنع به من ملاحظات، أو أن يتلافى ما غاب عنه من نواقص وهنّات؛ من دون فرض أو إكراه، أو تطفّل أو تدخّل فظّ، في فكر المؤلّف، أو أسلوبه، أو مبتغاه؛ بل إنّما يجري هذا بموافقته، ورغبته، وبناء على طلبه! فما نسبة ما يحدث هذا لدينا، ولدى كتّابنا ومؤلفينا؛ من مدّ يد العون، وإيصال الرأي المساعد نظريّاً أو فنّيّاً؟! وما هو حجم الرغبة والإقدام على المؤازرة والتشجيع عن طيب خاطر؟! وإذا ما حدث هذا، ونال بعض المحظوظين مثل هذه المبادرة الأثيرة، والمشاركة الخيّرة، في مشروع أدبيّ، ثقافيّ، أو سواه؛ هل يسارعون إلى الموافقة الرضيّة، والاستفادة المقدّرة منها، والتفاعل الإيجابيّ مع أصحابها؟! وهل يشار إلى هذا في مستهلّ الكتاب أو في منتهاه؛ تعميماً للفضيلة، وإنصافاً لأصحاب الحقّ؟! وهل يجد كثيرون من الذين يكتبون وينشرون، كثرة من المبادرين القادرين؟! وما هي نسبة الكتّاب أو المؤلّفين، الذين يستشيرون أحداً؛ حتّى لو كان من أصحاب الاختصاص المغاير، أو يعرضون أعمالهم المخطوطة على آخرين؛ حتّى للمراجعة اللغويّة الضروريّة، التي قد تكون كثيرة، ويترك وجودها في النصّ الأدبيّ- وغير الأدبيّ- الذي يصل إلى القرّاء، أو إلى الأسماع، محاذير ومثبّطات لدى المتلقّين، ومنعكسات غير محفّزة، وغير مستسيغة، ولا متحمّسة، ولا حتّى قابلة لمتابعة هذا العمل للكاتب؛ وربّما أعمال أخرى قادمة؟! بل إنّ ما يستشعر، وما هو غير طبيعيّ، أنّ الكاتب الحاليّ، حتّى إن كان ناشئاً، لا يرضى، أن يعرض عمله المخطوط على من سبقه في هذا المجال، وحفر له اسماً، واختطّ مساراً يخصّه؛ كما كان يحدث بنسب متفاوتة فيما مضى، ولا يستسيغ ما يمكن أن يقترحه عليه من آراء، ولا يطلب أيّة مساعدة تغني وتجمّل، حتّى إن كانت مأجورة! وإذا ما حدث أن جاءت مثل هذه المساعدة، بأيّ سبيل أو مناسبة، قد لا يرغب في أن يسمع بها أحد؛ وقد ينكرها أو يقلّل من حجمها ومستواها؛ فكيف يمكن أن يثبتّها في مستهلّ العمل؟! وإذا ما فعل أو لم يفعل، هل سيسكت المساعدون عن أدوارهم، التي قد يبالغون فيها، ويزيدون من ادّعاءاتهم بالتصويب والأستذة؛ للتقليل من شأن ما قام به المؤلّف، وإعلاء شأنهم، والإقرار بباعهم المؤثّرة في هذا المجال؟! وقد يخشى بعض على أفكارهم، ونصوصهم، إذا ما اطّلع سواهم عليها، من أن تسبقهم إلى مؤلّفات آخرين قادرين على الوصول أسرع إلى دور النشر الرسميّة وغيرها، وإلى الإعلام والأقلام والنقّاد؛ كما قد يدّعون أنّهم مؤلّفوها؛ حتّى ممّن هم في لجان القراءة والتقييم والتحكيم الرسميّة والخاصّة؛ فهل حدث مثل هذا حقّاً؟! ومن ثمّ، ألا يمكن أن يحدث؟! ولهذا وسواه، تجد كتباً عديدة تظهر لأناس تعرفهم، أو لم تسمع بأسماعهم، فتُفاجأ، وليت المفاجآت تكون دوماً سارّة! من دون أن ننسى أنّ المشجّعين المحفّزين على السير في هذي الطريق، من مختلف الشرائح الاجتماعيّة؛ بمن فيهم الشريحة المثقّفة، أو العاملة بالثقافة، أقلّ من المحبِطين من الفائدة والجدوى، والمفتين أنّ هذا الزمن غير مناسب للثقافة، ولا يُعنى بالأدب والأدباء؛ كما أنّ القرّاء قلّة، والمهتمّون أقلّ، والناس مهتمّون بتأمين الرغيف ولقمة العيش والمردود، الذي يساعد، في الحدّ الأدنى، على الانتقال والدفء والعلاج… ما يشير إلى أنّ الظروف ليست مثاليّة، ولا حتّى مريحة ميسّرة للكتابة والنشر.

ولا أريد من هذا الكلام أن أعمّم الزيت العكر، والبضاعة الكاسدة، وممارسات السوق غير المستساغة في الوسط الثقافيّ “الراقي”، ولا أن أزيد في نشر الغسيل الثقافيّ، ولا أن أحبط المقبلين على الكتابة والطباعة والانتشار أكثر، ولا أن أراكم المصاعب والعثرات العديدة أمامهم؛ فإنّ من حقّهم أن يشعروا، ويفكّروا، ويتألّموا، ويكتبوا، وينشروا، ويوزّعوا؛ لعلّهم يشبعون توقهم، أو يحاولون على الأقلّ، ويسهمون في إغناء الرصيد الثقافيّ، والزاد المعرفيّ؛ ولكن، ومع  يقيننا بأنّ الإبداع موهبة واجتهاد، وما من كمال ممكن، لكنّ السعي إليه مشروع ومطلوب، فإنّ من حقّنا عليهم، وحقّ أيّ متلقّ مهجوس بالمعرفة ومتطلّع لإشعاعاتها؛ ومن واجبهم أيضاً، أن يهتمّوا بما يُقدِمون عليه، وأن يحرصوا على الجودة والتميّز قي ما يقدّمونه، بقناعة وثقة وشجاعة، من متعة وفائدة، للناس الذين يعانون، وأن يكونوا على قدّ المتطلّبات والمسؤوليّة والطموح والأمل والبشرى.

***

غسان كامل ونوس

اترك رداً